صمت ترامب بعد وفاة تشيني يشعل الجدل في واشنطن
أثارت وفاة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، ديك تشيني، أحد أبرز وجوه الحزب الجمهوري وأكثرها تأثيراً، عاصفة من الجدل السياسي في العاصمة واشنطن خلال الساعات الماضية. لكن محور الجدل لم يكن إرث تشيني السياسي، بل الصمت الملحوظ من جانب الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي امتنع عن إصدار أي بيان تعزية أو تعليق رسمي، في خطوة اعتبرها كثيرون خروجاً عن الأعراف الرئاسية المتبعة.

خلفية سياسية وتاريخ من الخلافات
يُعتبر ديك تشيني، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد جورج دبليو بوش من عام 2001 إلى 2009، شخصية محورية في السياسة الأمريكية الحديثة. عُرف بمواقفه المحافظة المتشددة وبدوره الرئيسي في تشكيل السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، وخصوصاً في اتخاذ قرار غزو العراق عام 2003. ويمثل تشيني تيار "المحافظين الجدد" أو ما يُعرف بـ"مؤسسة الحزب الجمهوري"، وهو التيار الذي دخل في صدام مباشر مع النهج الشعبوي الذي قاده دونالد ترامب.
لم تكن العلاقة بين ترامب وعائلة تشيني ودية على الإطلاق. فمنذ حملته الانتخابية الأولى، وجه ترامب انتقادات لاذعة لسياسات إدارة بوش-تشيني، وخاصة حرب العراق، معتبراً إياها كارثة كلفت الولايات المتحدة الكثير. وتعمق الخلاف بشكل حاد مع بروز دور ابنة نائب الرئيس السابق، ليز تشيني، كواحدة من أشد معارضي ترامب داخل الحزب الجمهوري، وبلغت ذروة العداء مع توليها منصب نائب رئيس اللجنة البرلمانية التي حققت في أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021.
ردود فعل متباينة تكشف الانقسام
فور الإعلان عن وفاة تشيني يوم الثلاثاء، سارعت المؤسسات الرسمية إلى اتباع البروتوكولات المعتادة، حيث تم تنكيس الأعلام فوق البيت الأبيض ومبنى الكابيتول. وتوالت بيانات النعي من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك الرئيس الحالي جو بايدن ورؤساء سابقون وشخصيات بارزة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الذين أشادوا بمسيرته الطويلة في الخدمة العامة، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياساته.
في المقابل، كان غياب أي تعليق من ترامب أو من خلال منصته للتواصل الاجتماعي صارخاً. هذا الصمت لم يمر مرور الكرام، حيث اعتبره النقاد دليلاً إضافياً على استمرار الانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري، وتأكيداً على أن ترامب لا يلتزم بالتقاليد السياسية التي تقتضي وضع الخلافات جانباً في مثل هذه المناسبات لتكريم الشخصيات الوطنية.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية هذا الجدل في أنه يتجاوز كونه مجرد موقف شخصي من ترامب. فهو يعكس الصراع الأوسع على هوية الحزب الجمهوري ومستقبله بين الجناح التقليدي الذي مثله تشيني، والجناح الشعبوي الذي يسيطر عليه ترامب. ويرى محللون أن هذا الصمت المتعمد هو رسالة سياسية موجهة إلى قاعدة ترامب مفادها الرفض التام لـ"الحرس القديم" وسياساته.
كما يسلط الضوء على تآكل الأعراف الدبلوماسية والسياسية في الحياة العامة الأمريكية. ففي الماضي، كان من المعتاد أن يقوم الرؤساء، الحاليون والسابقون، بتكريم أسلافهم ومنافسيهم عند وفاتهم كبادرة احترام للدولة ومؤسساتها. ويُنظر إلى موقف ترامب على أنه استمرار لنهجه في كسر هذه التقاليد، وهو ما يغذي حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تعيشها البلاد.





