صراع عرش الكرة الأفريقية: هل يزيح أشرف حكيمي محمد صلاح من قمة النجومية؟
على مدار سنوات عديدة، ترسخت مكانة النجم المصري محمد صلاح، مهاجم نادي ليفربول الإنجليزي، كأيقونة بلا منازع لكرة القدم الأفريقية، بفضل إنجازاته البارزة وأرقامه القياسية التي حققها على صعيد الأندية والمنتخب الوطني. لكن في الآونة الأخيرة، ومع التوهج المستمر للدولي المغربي أشرف حكيمي، الظهير الأيمن لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، برز تساؤل مهم ومثير للجدل في الأوساط الكروية: هل باتت هيمنة محمد صلاح على عرش النجومية الأفريقية مهددة، وهل يمتلك حكيمي المقومات الكافية لانتزاع الصدارة؟

خلفية الصراع: هيمنة محمد صلاح وأرقامه الاستثنائية
منذ انتقاله إلى ليفربول في عام 2017، تحول محمد صلاح إلى قوة لا يستهان بها في كرة القدم العالمية. لقد قاد فريقه لتحقيق ألقاب كبرى، أبرزها دوري أبطال أوروبا في 2019 والدوري الإنجليزي الممتاز في 2020، منهيًا بذلك عقودًا من الانتظار للنادي. على المستوى الفردي، حصد صلاح جائزة أفضل لاعب أفريقي مرتين متتاليتين في عامي 2017 و2018، إلى جانب ثلاثة ألقاب هداف الدوري الإنجليزي (الحذاء الذهبي)، وعدة جوائز لأفضل لاعب في إنجلترا. تميز صلاح بقدرته الفائقة على تسجيل الأهداف، وسرعته، ومهاراته الفردية التي جعلت منه كابوسًا للمدافعين. كما يعتبر رمزًا رياضيًا وثقافيًا في مصر والعالم العربي، وقد رفع سقف التوقعات للاعبين الأفارقة في أوروبا.
لم تقتصر إنجازات صلاح على الأندية، فقد كان القوة الدافعة لمنتخب مصر، وساهم في وصوله إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية مرتين، والتأهل إلى كأس العالم 2018 بعد غياب طويل، مما أكد مكانته كبطل قومي ورياضي استثنائي.
صعود أشرف حكيمي وتألقه الدولي
في المقابل، شهدت السنوات القليلة الماضية صعودًا صاروخيًا لـأشرف حكيمي، الذي بدأ مسيرته في أكاديمية ريال مدريد ومر بتجارب ناجحة في بوروسيا دورتموند وإنتر ميلان، حيث فاز بلقب الدوري الإيطالي، قبل أن يستقر به المطاف في باريس سان جيرمان محققًا معه عدة ألقاب الدوري الفرنسي. يشتهر حكيمي بكونه نموذجًا للظهير العصري، فهو يجمع بين السرعة الفائقة، والقدرة الهجومية المميزة في صناعة الأهداف وتسجيلها، بالإضافة إلى التزامه الدفاعي. مرونته وقدرته على اللعب في مراكز مختلفة جعلت منه عنصرًا لا غنى عنه في أي فريق يلعب له.
لكن النقطة الفاصلة في مسيرة حكيمي والتي وضعته في صلب المنافسة على النجومية الأفريقية كانت تألقه المدوي مع منتخب المغرب في كأس العالم 2022. قاد حكيمي، بجانب زملائه، أسود الأطلس إلى إنجاز تاريخي غير مسبوق بالوصول إلى الدور نصف النهائي، ليصبح أول منتخب أفريقي وعربي يحقق هذا الإنجاز. لم يقتصر دوره على الأداء الفني المميز، بل كان له تأثير قيادي كبير داخل وخارج الملعب، مما عزز مكانته كنجم عالمي. هذا الإنجاز وضع حكيمي في دائرة الضوء بشكل لم يسبق له مثيل، وأظهر قدرته على التألق في أكبر المحافل الدولية.
المنافسة على الألقاب الفردية ومعايير النجومية
تعتبر جائزة أفضل لاعب أفريقي التي يمنحها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) المعيار الرسمي لقياس النجومية الفردية في القارة. فاز محمد صلاح بها مرتين، لكن الجائزة شهدت تنافسًا قويًا في السنوات الأخيرة، حيث فاز بها ساديو ماني في 2019 و2022، وفيكتور أوسيمين في 2023. وقد تواجد أشرف حكيمي باستمرار ضمن القوائم النهائية للمرشحين، مما يؤكد حضوره القوي في الساحة الأفريقية.
تجاوز النقاش حول أفضل لاعب أفريقي مجرد الجوائز الفردية ليشمل عوامل مثل التأثير العالمي، والإنجازات مع المنتخب الوطني في البطولات الكبرى، والقدرة على أن يكون أيقونة ملهمة. صلاح لديه سجل حافل بالإنجازات الجماعية والفردية على صعيد الأندية، في حين أن حكيمي أضاف بُعدًا جديدًا بإنجازه التاريخي في كأس العالم، وهو أمر لم يحققه أي لاعب أفريقي بارز في السنوات الأخيرة. هذا التباين في طبيعة الإنجازات يغذي الجدل حول من يستحق “العرش”.
مقارنة الأداء في الآونة الأخيرة والتطلعات المستقبلية
في الموسم الكروي الأخير (2023-2024)، واصل محمد صلاح تقديم مستويات ممتازة مع ليفربول، مساهمًا في المنافسة على الألقاب المحلية والقارية. في المقابل، ظل أشرف حكيمي ركيزة أساسية في تشكيلة باريس سان جيرمان، محققًا لقب الدوري الفرنسي مرة أخرى ووصل إلى مراحل متقدمة في دوري أبطال أوروبا. أما على الصعيد الدولي، ففي كأس الأمم الأفريقية 2023 التي أقيمت مطلع عام 2024، لم يحقق المنتخبان المصري والمغربي التوقعات المرجوة. تعرض صلاح لإصابة أبعدته عن جزء كبير من البطولة، بينما أهدر حكيمي ركلة جزاء حاسمة أدت إلى إقصاء المغرب من دور الـ16. هذه التطورات لم تحسم الجدل بشكل قاطع، بل أبقت المنافسة مفتوحة.
التأثير وأهمية هذا النقاش
إن هذا التنافس بين نجمين كبيرين مثل صلاح وحكيمي يعكس التطور الهائل الذي تشهده كرة القدم الأفريقية وقدرتها على إنجاب لاعبين من الطراز العالمي. هذا النقاش ليس مجرد مقارنة فردية، بل هو فرصة لتسليط الضوء على المواهب الأفريقية وتأثيرها على الساحة الكروية الدولية. يرى البعض أن صلاح لا يزال يحتفظ بمكانته بسبب أرقامه القياسية وهدوء مستواه، بينما يرى آخرون أن التأثير العالمي والتميز في بطولات مثل كأس العالم يمنح حكيمي الأفضلية في الفترة الحالية. بغض النظر عن النتيجة، فإن هذا التنافس الصحي يثري المشهد الكروي الأفريقي ويشجع الأجيال القادمة من اللاعبين على تحقيق المزيد من الإنجازات.





