صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات يثير تساؤلات حول استراتيجية الغرب بأوكرانيا
بعد مرور أكثر من عامين على فرض حزم عقوبات وصفت بأنها "غير مسبوقة"، أظهر الاقتصاد الروسي قدرة على الصمود والتكيف تتجاوز التوقعات الأولية، مما دفع المحللين وصناع السياسات في الغرب إلى إعادة تقييم فعالية هذه الاستراتيجية الهادفة إلى شل آلة الحرب الروسية في أوكرانيا. ورغم أن العقوبات ألحقت أضراراً بقطاعات معينة، إلا أنها لم تنجح في إحداث الانهيار الاقتصادي الذي كان مأمولاً، الأمر الذي يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الصراع والجدوى من الضغط الاقتصادي كأداة رئيسية في المواجهة.

خلفية العقوبات الغربية
منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في فبراير 2022، فرض تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع (G7) آلاف العقوبات التي استهدفت قطاعات حيوية في روسيا. شملت هذه الإجراءات عزل كبرى البنوك الروسية عن نظام SWIFT المالي العالمي، وتجميد نحو 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي في الخارج، وفرض حظر على صادرات التكنولوجيا المتقدمة، ووضع سقف لأسعار النفط الروسي المنقول بحراً بهدف تقليص إيرادات موسكو.
آليات التكيف الروسية
في مواجهة هذا الضغط، اتبعت موسكو استراتيجية متعددة الأوجه للتخفيف من آثار العقوبات والحفاظ على استقرار اقتصادها. وتضمنت أبرز آليات التكيف ما يلي:
- إعادة توجيه التجارة: قامت روسيا بتحويل صادراتها من الطاقة، وخاصة النفط والغاز، من الأسواق الأوروبية إلى أسواق آسيوية كبرى مثل الصين والهند، اللتين أصبحتا أكبر مستوردي الخام الروسي، وإن كان ذلك بأسعار مخفضة في كثير من الأحيان.
- الواردات الموازية: سمحت الحكومة الروسية بما يعرف بـ"الواردات الموازية"، وهي آلية تتيح للشركات استيراد سلع أجنبية، بما في ذلك الإلكترونيات وقطع غيار السيارات، دون موافقة أصحاب العلامات التجارية عبر دول ثالثة مثل تركيا والإمارات ودول آسيا الوسطى، مما ساعد على تجنب النقص الحاد في السلع الاستهلاكية والتكنولوجية.
- التحول نحو اقتصاد الحرب: أعادت روسيا توجيه مواردها الاقتصادية والصناعية لخدمة المجهود الحربي. شهد الإنتاج في قطاع الصناعات العسكرية ارتفاعاً كبيراً، مدفوعاً بالإنفاق الحكومي المتزايد، وهو ما ساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، رغم تضرر قطاعات أخرى.
- إجراءات مالية صارمة: نجح البنك المركزي الروسي في السيطرة على التضخم وتحقيق استقرار في سعر صرف الروبل بعد صدمة العقوبات الأولية، وذلك عبر رفع أسعار الفائدة وفرض قيود على حركة رؤوس الأمال.
التأثير المحدود على المجهود الحربي
على الرغم من أن العقوبات التكنولوجية قد أثرت على قدرة روسيا في الحصول على المكونات الدقيقة، مثل أشباه الموصلات المتقدمة، إلا أنها استطاعت التحايل على الكثير من هذه القيود عبر شبكات معقدة من الوسطاء. ونتيجة لذلك، استمر إنتاج الأسلحة الأساسية، مثل الصواريخ والطائرات المسيرة والمدفعية، بوتيرة سمحت للقوات الروسية بمواصلة عملياتها العسكرية المكثفة. ويشير الخبراء إلى أن الاقتصاد الروسي قد تكيف ليعمل في ظل ظروف الحرب والعقوبات كواقع دائم وليس كأزمة مؤقتة.
تداعيات وتساؤلات مستقبلية
يثير صمود الاقتصاد الروسي جدلاً واسعاً حول حدود فعالية العقوبات كأداة للسياسة الخارجية ضد دولة كبيرة وغنية بالموارد الطبيعية. وتتجه الأنظار الآن نحو تشديد الرقابة على الدول والشركات التي تساعد روسيا على الالتفاف على العقوبات، بالإضافة إلى النقاش الدائر حول إمكانية استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لدعم أوكرانيا، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر القانونية والسياسية. وفي المحصلة، تؤكد التطورات الأخيرة أن الضغط الاقتصادي وحده قد لا يكون كافياً لتغيير الحسابات الاستراتيجية لموسكو، وأن الصراع قد يتطلب أدوات ضغط إضافية لتحقيق النتائج المرجوة من قبل التحالف الغربي.





