طارق عبد الجابر: رحلة مثيرة من خطوط النار إلى استوديوهات الطهي
في تحول مهني أثار دهشة وإعجاب الكثيرين، أعاد المراسل الحربي الشهير طارق عبد الجابر تقديم نفسه للجمهور، ليس من قلب مناطق النزاع والحروب التي جالها لسنوات طويلة، بل من داخل مطابخ لامعة ضمن برنامج طهي يحمل توقيعه الخاص. هذا الانتقال الجذري، الذي كشف عنه في مقابلة حديثة، يسلط الضوء على رحلة شخصية عميقة من المخاطر والتوتر إلى مساحة من الإبداع والهدوء، مؤكداً أن الطهي لم يكن مجرد هواية عابرة، بل شغف قديم يمنحه السعادة ولقب "الشيف" يعيده إلى واجهة الحياة العامة بمنظور جديد.

برز اسم عبد الجابر لعقود كواحد من أبرز الوجوه الإعلامية التي غطت أصعب الصراعات الدولية. اشتهر بشجاعته الفائقة، قدرته على نقل الصورة من قلب الحدث بدقة وموضوعية، وتغطياته العميقة التي لم تكتفِ بسرد الوقائع بل لامست الجوانع الإنسانية للحروب. عمل في مناطق ساخنة متعددة، من الصراعات في الشرق الأوسط إلى النزاعات في إفريقيا، واكتسب احتراماً واسعاً من زملائه والمشاهدين على حد سواء بفضل تقاريره الجريئة ومهنيته العالية. كان يُنظر إليه كنموذج للمراسل الذي لا يهاب الخطر في سبيل إيصال الحقيقة، مما جعل خبر ابتعاده عن الميدان لسنوات أمراً يدعو للتساؤل.
خلفية التحول: بحث عن السلام بعد سنوات الحرب
لم يكن قرار عبد الجابر بالابتعاد عن العمل الميداني مفاجئاً تماماً لمن يعرفون التحديات النفسية والجسدية التي يواجهها المراسلون الحربيون. فقد أشار في حوارات سابقة إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه المرء جراء التعرض المستمر للمشاهد المروعة والخطر الداهم. وعلى الرغم من حبه العميق لمهنته وواجبه الإعلامي، يبدو أن سنوات من التغطية المكثفة قد تركته يبحث عن ملاذ آمن يجد فيه السلام والسكينة. وقد كشفت تصريحاته الأخيرة، التي صدرت في مطلع هذا الأسبوع وتحديداً في 22 نوفمبر 2023، عن هذا الجانب، حيث أكد أن الطهي كان دائماً بمثابة متنفّس له بعيداً عن ضغوط العمل. يعتبر الطهي عنده عملية تأملية تسمح له بالتركيز على الإبداع بدلاً من الفوضى، وعلى الحياة بدلاً من الدمار.
تطورات حديثة: من الشاشات الإخبارية إلى برامج الطهي
عاد عبد الجابر إلى الأضواء مؤخراً من خلال إطلاق برنامجه التلفزيوني الجديد للطهي، الذي يحمل اسم "نكهات من عالم آخر". يُعرض البرنامج على إحدى القنوات الفضائية الرائدة ويحظى بمتابعة جيدة. يدمج البرنامج بين شغف عبد الجابر بالطهي وحبه للسفر والثقافات، حيث يقدم وصفات مستوحاة من مطابخ عالمية مع سرد قصص شخصية وتجاربه في البلدان التي زارها كمراسل. هذه اللمسة الفريدة تمنح برنامجه عمقاً يتجاوز مجرد تعليم الوصفات، ليصبح نافذة على عوالم مختلفة من خلال الطعام. وقد حققت الحلقات الأولى من البرنامج نجاحاً ملحوظاً، حيث أشاد الجمهور بقدرته على التكيف وتقديم محتوى جديد وممتع.
أسباب ومبررات: شغف شخصي وشفاء نفسي
يوضح عبد الجابر أن تحوله لم يكن مجرد تغيير مهني عابر، بل كان نتيجة لتراكم عوامل نفسية وشخصية. يشمل ذلك:
- الاحتراق الوظيفي: سنوات طويلة في الميدان أدت إلى إجهاد ذهني وجسدي.
 - البحث عن معنى: الرغبة في الانخراط في عمل يركز على الإيجابية والإبداع بدلاً من المعاناة الإنسانية.
 - شغف قديم: الطهي كان دائماً هواية محببة لم تُتح له الفرصة لممارستها بشكل كامل بسبب طبيعة عمله السابق.
 - التأثير العلاجي: يجد في إعداد الطعام عملية علاجية تساعده على تجاوز التجارب الصعبة التي مر بها.
 
لقد أعاد عبد الجابر تعريف النجاح بالنسبة له، فهو يرى أن السعادة الحقيقية تكمن في متابعة شغفه، حتى لو كان ذلك يعني مغادرة منطقة الراحة المهنية التي صنعها لنفسه في مجال الإبلاغ عن الحروب.
التأثير والدلالة: قصة إلهام وتحدي للمفاهيم
قصة طارق عبد الجابر تحمل دلالات أعمق تتجاوز مجرد تحول مهني فردي. إنها تسلط الضوء على:
- الصحة النفسية للإعلاميين: تذكرنا بأن العاملين في مهن شديدة الخطورة يحتاجون إلى دعم ومنافذ للتعامل مع الضغوط.
 - إمكانية التغيير: تشكل قصة عبد الجابر مصدر إلهام للكثيرين الذين يفكرون في تغيير مسارهم المهني نحو شغفهم الحقيقي.
 - كسر القوالب النمطية: تظهر أن الشخص يمكن أن يكون ناجحاً ومؤثراً في مجالات مختلفة تماماً، وأن الصورة النمطية للمهني يمكن أن تتغير.
 
في الختام، يمثل تحول طارق عبد الجابر من مراسل حربي يواجه الموت يومياً إلى شيف تلفزيوني يشارك وصفاته مع العالم، قصة إنسانية مؤثرة عن الشجاعة ليست فقط في مواجهة الخطر، بل أيضاً في مواجهة الذات والبحث عن السعادة الحقيقية. إنها رحلة تثبت أن الحياة قد تحمل فصولاً غير متوقعة، وأن الشغف يمكن أن يقودنا إلى مسارات لم نتخيلها أبداً.





