عازفات الهارب يحتفين بافتتاح المتحف المصري الكبير بحفل فني في الأوبرا
استضافت دار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتور علاء عبد السلام، أمسية موسيقية استثنائية أحيتها مجموعة من عازفات الهارب المصريات، وذلك احتفالًا بافتتاح المتحف المصري الكبير الذي طال انتظاره. أقيم الحفل على المسرح الصغير بدار الأوبرا مساء الجمعة 7 نوفمبر، مقدماً برنامجاً فنياً ثرياً يعكس التنوع الثقافي والموسيقي ويحتفي بحدث تاريخي.

خلفية وأهمية الحدث
يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير حدثاً تاريخياً وثقافياً بارزاً لمصر والعالم، كونه أكبر متحف للآثار في العالم مخصص لحضارة واحدة. ويُتوقع أن يكون هذا الصرح الثقافي وجهة عالمية رئيسية لعرض كنوز الحضارة المصرية القديمة، بما فيها مجموعة توت عنخ آمون الكاملة التي ستُعرض لأول مرة بشكل متكامل. تأتي هذه الاحتفالية الموسيقية كجزء من سلسلة الفعاليات الثقافية التي تهدف إلى تسليط الضوء على هذا الإنجاز الوطني الكبير، وربط التراث القديم بالفنون المعاصرة من خلال الموسيقى الراقية. تعكس استضافة الأوبرا لهذه الأمسية حرص المؤسسات الثقافية المصرية على إبراز مكانة الفن في الاحتفاء بالمناسبات الوطنية الكبرى، وتوفير منصات للمواهب المصرية لتقديم إبداعاتها، مما يؤكد على دور الفن كجسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
تفاصيل البرنامج الموسيقي
تضمن برنامج الأمسية مختارات موسيقية متنوعة جمعت بين كلاسيكيات عالمية وأعمال عربية ومصرية مميزة، مما أثرى التجربة السمعية للجمهور وقدم بانوراما فنية شاملة. وقد شمل البرنامج مقطوعات شهيرة من تأليف كبار الملحنين العالميين، إلى جانب إبداعات مصرية وعربية عريقة تعكس هوية المنطقة الفنية.
- من الأعمال العالمية التي تم تقديمها:
- فالس رقم 2 للموسيقار الروسي الشهير ديمتري شوستاكوفيتش، المعروف بعمقه العاطفي.
- مقطوعة "ليلية" للمؤلفة الأمريكية نانسي جليك، التي تتميز برقتها.
- أغنية "فلاح الحصاد" للموسيقار الألماني روبرت شومان، التي تجسد الأجواء الريفية.
- موسيقى المساء للمؤلف البريطاني البارز أندرو لويد فيبر، صاحب الروائع المسرحية.
- مقطوعة روندو للملحن الفرنسي جان جوزيف موريه.
- مقطوعة "بستان الرماد"، وهي أغنية تقليدية شهيرة من منطقة ويلز.
- "الحديقة المغاربية" للمؤلفة نانسي جوستافسون.
- فالس من متتابعة "الحفل التنكري" للموسيقار الأرميني آرام خاتشاتوریان، المعروفة بإيقاعاتها الحيوية.
- مجموعة من الأغاني المكسيكية التقليدية، التي تعكس التراث الموسيقي اللاتيني.
- مقطوعة "تانجو حر" للموسيقار الأرجنتيني الأيقوني أستور بياتسولا، رائد التانغو الجديد.
- ميدلي مميز من الفيلم الموسيقي الكلاسيكي "صوت الموسيقى" لـ ريتشارد رودجرز.
- أغنية إسبانية للملحن باسكوال ماركينا، والتي جرى إعدادها وتوزيعها بواسطة أمير عوض خصيصاً لهذه الأمسية.
- من الأعمال العربية والمصرية التي أثرت الحفل:
- أغنية "حلوة يا بلدي" الشهيرة، من ألحان جيف بارنيل وكلمات مروان سعادة، والتي تعد أيقونة في الأغنية الوطنية المصرية.
- ميدلي خاص يضم مجموعة من أجمل أعمال الموسيقار المصري المعاصر عمر خيرت، المعروف بموسيقاه الآسرة.
- ميدلي لأعمال الفنان حليم مهدي، وهو تكريم لتراثه الموسيقي.
تكريم وتقدير: الدكتورة سميرة ميشيل
تضمنت الأمسية لمسة وفاء وتكريم مؤثرة لروح الدكتورة سميرة ميشيل، التي تعد من الرائدات والشخصيات المحورية في مجال آلة الهارب بمصر والعالم العربي. كانت الدكتورة ميشيل إحدى مؤسسات المعهد العالي للكونسرفتوار المرموق، وأستاذة لآلة الهارب لسنوات طويلة، ومعلمة لأجيال متعاقبة من العازفين الذين شكلوا المشهد الموسيقي المصري. يتمثل إرثها في مساهماتها الكبيرة في تعليم وتطوير العزف على الهارب في مصر، بالإضافة إلى مشاركاتها الفنية المرموقة التي تركت بصمة واضحة. فقد اشتهرت بعزفها مع كبار المطربين المصريين، ومن أبرزها عزفها المبدع مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والنجمة شادية في لحن أغنية "بلاش عتاب" الشهيرة ضمن أحداث فيلم "معبودة الجماهير". يعكس هذا التكريم الدور المحوري الذي لعبه فنانون ومعلمون مثل الدكتورة سميرة ميشيل في بناء المشهد الموسيقي المصري وإثرائه، وضمان استمرارية هذا الفن الراقي.
الرسالة الثقافية والوقع المستقبلي
لا يقتصر دور هذه الأمسية الفنية على مجرد احتفال موسيقي، بل يمتد ليشمل رسالة ثقافية عميقة تربط بين عظمة التاريخ المصري القديم الذي يحتضنه المتحف الجديد، وجمال الفنون المعاصرة التي تجسدها الموسيقى. إن تلاقي هذا التراث الأصيل مع الإبداع الفني الحديث يرسخ مكانة مصر كمركز للإشعاع الثقافي والحضاري على المستويين الإقليمي والعالمي. كما أن مثل هذه الفعاليات تساهم بفعالية في إثراء الحياة الثقافية في القاهرة، وتوفر للجمهور فرصة فريدة للاستمتاع بأنواع موسيقية متنوعة تُقدم على أيدي عازفات مصريات موهوبات، مما يعزز من مكانة آلة الهارب في المشهد الموسيقي المحلي ويسهم في استقطاب أجيال جديدة لتعلمها. وتؤكد هذه الاحتفالات على أن الفن هو جسر يربط الأجيال والثقافات المختلفة، ويحتفي بالإنجازات الوطنية الكبرى بطريقة تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتلهم الأجيال القادمة.





