عبدالغفار يؤكد: الذكاء الاصطناعي تحول كوني يستوجب الاستثمار في رأس المال البشري
في تصريحات صدرت مؤخرًا، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان ونائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد ابتكار تكنولوجي عابر، بل يمثل تحولًا جذريًا وشاملًا يؤثر في كافة جوانب الحياة اليومية والاقتصاد العالمي. وشدد عبدالغفار على أن الدول التي ترغب في تحقيق أقصى استفادة من هذه الثورة الرقمية يجب أن تولي اهتمامًا بالغًا وتقدم استثمارات كبرى في مجال رأس المال البشري، مؤكدًا أن التنمية البشرية هي المحرك الأساسي لتمكين المجتمعات من التكيف والازدهار في هذا العصر الجديد.

الخلفية: الذكاء الاصطناعي كتحول كوني
يشهد العالم حاليًا تسارعًا غير مسبوق في تطور وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التحول لا يقتصر على مجالات محددة كالتكنولوجيا أو الصناعة، بل يمتد ليشمل القطاعات الصحية، والتعليمية، والمالية، وحتى الثقافية والاجتماعية. فمن أنظمة التشخيص الطبي المتقدمة إلى المحركات التوصية في التجارة الإلكترونية، ومن أدوات تحليل البيانات الضخمة إلى الروبوتات التعاونية في المصانع، بات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من النسيج اليومي للحياة. هذا التغلغل يعيد تشكيل سوق العمل، ويغير من طبيعة المهارات المطلوبة، ويفتح آفاقًا جديدة للابتكار، ولكنه يطرح في الوقت ذاته تحديات كبيرة تتعلق بالجاهزية والتأهيل.
الاستثمار في رأس المال البشري: ضرورة حتمية
ترى رؤية عبدالغفار أن الاستثمار في رأس المال البشري لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية قصوى. في عالم يتسارع فيه التغيير التكنولوجي، تحتاج المجتمعات إلى أفراد يمتلكون المهارات اللازمة ليس فقط لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا لتطويرها، وإدارتها، والتفكير النقدي حول تداعياتها. وتشمل هذه المهارات، على سبيل المثال لا الحصر:
- المهارات المعرفية والتحليلية: القدرة على فهم البيانات المعقدة وتحليلها لاستخلاص رؤى مفيدة.
- الإبداع والابتكار: القدرة على تطوير حلول جديدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- التفكير النقدي وحل المشكلات: التعامل مع التحديات المعقدة التي قد تنشأ عن تطبيق الذكاء الاصطناعي.
- المرونة والقدرة على التكيف: الاستعداد للتعلم المستمر والتكيف مع التغيرات السريعة في بيئة العمل.
- الذكاء العاطفي والمهارات الاجتماعية: وهي ضرورية للتعامل مع الجوانب الإنسانية للعمل في بيئة يشارك فيها الذكاء الاصطناعي.
- الأخلاقيات الرقمية: فهم واعٍ للمسؤوليات الأخلاقية والقانونية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
إن بناء هذه القدرات البشرية يمكّن الدول من الانتقال من مجرد مستهلك للتكنولوجيا إلى مطور ومبتكر لها، مما يعزز قدرتها التنافسية ويضمن لها مكانة قوية في الاقتصاد العالمي الجديد.
تحديات وفرص في عصر الذكاء الاصطناعي
بينما يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحقيق التنمية والازدهار، فإنه يحمل أيضًا تحديات تستوجب استجابة مدروسة. من أبرز الفرص:
- تحسين الخدمات العامة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز كفاءة خدمات الرعاية الصحية، والتعليم، والنقل، وغيرها، مما يرفع من جودة حياة المواطنين.
- دفع عجلة النمو الاقتصادي: من خلال أتمتة المهام الروتينية، وتحسين الإنتاجية، وفتح أسواق جديدة، وخلق وظائف مبتكرة.
- الابتكار العلمي والبحثي: تسريع وتيرة الاكتشافات في مجالات مثل الطب الحيوي، وعلوم المواد، والطاقة.
أما التحديات الرئيسية فتتمثل في:
- الفجوة في المهارات: الحاجة الماسة لإعادة تأهيل القوى العاملة وتزويدها بالمهارات الرقمية المتقدمة.
- التأثير على سوق العمل: مخاوف بشأن استبدال الوظائف البشرية بأخرى آلية، مما يتطلب استراتيجيات لخلق فرص عمل جديدة.
- القضايا الأخلاقية والاجتماعية: مثل الخصوصية، والتحيز في الخوارزميات، والمساءلة، وتأثير الذكاء الاصطناعي على العدالة الاجتماعية.
- البنية التحتية: الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية لتمكين التوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
التوجهات الوطنية والعالمية
تدرك العديد من الحكومات والمنظمات الدولية أهمية هذه القضية، وتعمل على وضع استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي تضع التنمية البشرية في صميمها. هذه الاستراتيجيات غالبًا ما تركز على تعزيز التعليم الرقمي، وتشجيع البحث والتطوير، وبناء بيئة تشريعية وتنظيمية تدعم الابتكار وتحمي المجتمع. ويعد التعاون بين المؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص، والجهات الحكومية أمرًا حاسمًا لضمان تطوير رأس مال بشري قادر على قيادة هذا التحول والاستفادة منه بفاعلية.
في الختام، فإن دعوة الدكتور عبدالغفار للاستثمار في رأس المال البشري تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة المرحلة الراهنة والمستقبلية. إنها دعوة للعمل الفوري لضمان ألا يكون الذكاء الاصطناعي مصدرًا للتقدم التقني فحسب، بل محفزًا للتنمية الشاملة التي تضع الإنسان في مركزها.





