غرامة قياسية بمليار جنيه على بنك أبوظبي الأول مصر من البنك المركزي
في خطوة غير مسبوقة تؤكد على صرامة الرقابة المصرفية في مصر، فرض البنك المركزي المصري مؤخراً عقوبة مالية هي الأضخم في تاريخ القطاع، حيث بلغت قيمتها مليار جنيه مصري (ما يعادل حوالي 21 مليون دولار أمريكي) على بنك أبوظبي الأول مصر. جاءت هذه الغرامة التاريخية نتيجة لمخالفات جسيمة تتعلق بتسهيلات ائتمانية تم منحها لشركة بلتون المالية القابضة واستخدامها في غير الغرض المحدد لها.

تفاصيل المخالفة وأبعاد العقوبة
تعود جذور القضية إلى عام 2021، حين منح بنك أبوظبي الأول مصر تسهيلات ائتمانية لشركة بلتون المالية القابضة، التابعة لشركة شيميرا للاستثمار الإماراتية. وكشفت التحقيقات أن هذه الأموال استُخدمت في تمويل عملية استحواذ على حصة حاكمة في شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك"، وهي إحدى كبريات شركات التطوير العقاري في مصر. يعد هذا الإجراء مخالفة صريحة لتعليمات البنك المركزي المصري التي تحظر على البنوك تمويل عمليات الاستحواذ على حصص مسيطرة في شركات قائمة، بهدف ضمان استخدام الائتمان في دعم النمو التشغيلي وليس في تغيير هياكل الملكية.
ولم تقتصر العقوبة على الغرامة المالية الضخمة، بل امتدت لتشمل إجراءات إدارية صارمة. فقد طالب البنك المركزي أيضاً بضرورة إعفاء رئيس قطاع مخاطر الائتمان في بنك أبوظبي الأول مصر من منصبه، في إشارة واضحة إلى تحميل المسؤولية المباشرة للأفراد عن قرارات الائتمان المخالفة للقواعد التنظيمية.
خلفية الصفقة والسياق التنظيمي
شهد عام 2021 إتمام صفقة استحواذ كبرى، حيث قام كونسورتيوم إماراتي تقوده شركة الدار العقارية وشركة "إيه دي كيو" القابضة (عبر ذراعها الاستثماري شيميرا) بالاستحواذ على حصة أغلبية في شركة "سوديك". وقد جاءت التسهيلات الائتمانية التي منحها بنك أبوظبي الأول لشركة بلتون في سياق تمويل هذه الصفقة. وتبرز هذه الواقعة أهمية الدور الرقابي الذي يلعبه البنك المركزي في الحفاظ على استقرار النظام المالي والتأكد من التزام جميع المؤسسات المصرفية بمعايير الحوكمة وإدارة المخاطر.
تُظهر هذه العقوبة مدى جدية البنك المركزي في تطبيق لوائحه التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بالعمليات الائتمانية الكبرى التي قد تؤثر على هيكل السوق. وتهدف هذه الإجراءات إلى تعزيز الشفافية ومنع الممارسات التي قد تنطوي على مخاطر نظامية تهدد استقرار القطاع المصرفي ككل.
ردود الفعل والتداعيات على القطاع المصرفي
من جانبه، أصدر بنك أبوظبي الأول مصر بياناً أكد فيه التزامه الكامل بجميع القوانين واللوائح الصادرة عن البنك المركزي المصري. وأوضح البنك أن المخالفة تتعلق بتسهيل ائتماني يعود لعام 2021، وأنه قد اتخذ بالفعل الإجراءات التصحيحية اللازمة لضمان الامتثال التام. كما طمأن البنك عملاءه وأصحاب المصلحة بأن هذه الغرامة لن تؤثر على مركزه المالي القوي أو على قدرته على خدمة عملائه بكفاءة.
على مستوى أوسع، يُنظر إلى هذه العقوبة على أنها رسالة حاسمة موجهة لكافة البنوك العاملة في السوق المصرية، مفادها عدم التهاون مع أي تجاوزات للضوابط الائتمانية والتعليمات الرقابية. ومن المتوقع أن تدفع هذه الحادثة المؤسسات المالية إلى مراجعة سياساتها الداخلية المتعلقة بمنح الائتمان وإجراءات العناية الواجبة، مما يعزز من قوة وصلابة القطاع المصرفي المصري في مواجهة التحديات المستقبلية.





