«فن الطيور»: قصائد بابلو نيرودا تستكشف الحياة في تغريدة عصفور
صدر قريباً، أو من المتوقع صدوره في عام 2025، عمل شعري فريد للشاعر التشيلي الحائز على جائزة نوبل، بابلو نيرودا، بعنوان «فن الطيور». هذا الديوان، الذي يُقدم في طبعته العربية الأولى عن دار روايات، بترجمة غسان الخنّيزي، يغوص عميقاً في العلاقة الجوهرية بين الإنسان والطبيعة، متخذاً من الطيور محوراً لاستكشاف جوهر الحياة والجمال الكامن في الوجود. يعكس الكتاب شغف نيرودا العميق بالمخلوقات الطبيعية ويُقدم قراءة شعرية متأملة للعالم من خلال عيون الطيور وتغريداتها.

خلفية: الشاعر وعلاقته الفريدة بالطبيعة
يُعرف بابلو نيرودا، أحد عمالقة الأدب في القرن العشرين، بإنتاجه الغزير وشعره الذي احتفى بالحب والسياسة والطبيعة على حد سواء. حصل نيرودا على جائزة نوبل في الأدب عام 1971، تقديراً لـ "شعره الذي يبعث الحياة في مصير قارة بأكملها وأحلامها". لكن جزءاً كبيراً من إلهامه استمده من عالم الطبيعة الذي أحاط به، خاصة في وطنه الأم تشيلي، بمناظرها الطبيعية الخلابة وتنوعها البيولوجي الفريد. لم يكن نيرودا مجرد مراقب للطبيعة؛ بل كان يرى فيها مرآة للروح الإنسانية، ومصدراً لا ينضب للمعنى والإلهام. كانت علاقته بالطيور على وجه الخصوص تتجاوز مجرد الإعجاب، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من رؤيته الفنية والفلسفية، حيث كان يعتقد أن في كل تغريدة عصفور حكاية حياة كاملة.
«فن الطيور»: استعراض لعمق العلاقة الوجودية
يتناول كتاب «فن الطيور» تلك العلاقة العميقة بين الشاعر والطيور، مقدماً مجموعة من القصائد التي لا تحتفي بجمال هذه الكائنات فحسب، بل تستكشف سلوكياتها وأصواتها وحركاتها كرموز لحالات إنسانية ومفاهيم وجودية أعمق. يمارس نيرودا في هذا الديوان فعل التأمل العميق، مراقباً الطيور التي تجوب سماء تشيلي ومناطقها الطبيعية الساحرة، ويبني معها جسراً من التفاهم والتعاطف. وفي بعض النصوص، يبدو وكأن الشاعر يتحدث بلسان هذه المخلوقات، ناقلاً رؤاها للعالم، بينما في نصوص أخرى، يفرد مساحات واسعة للتعبير عن العلاقة الشخصية التي جمعته بها، والتي كانت مليئة بالدهشة والإلهام.
كان شغف نيرودا بالطبيعة يتجلى في جوانب متعددة من حياته؛ فقد كان جامعاً للتماثيل والأصداف البحرية، وكان لديه اهتمام خاص بأنواع الطيور المنقرضة والنباتات الفريدة. هذه المجموعة الشعرية تعد تتويجاً لعشق استمر منذ طفولته، حيث أكد في مناسبات عديدة عدم قدرته على العيش بعيداً عن الغابات أو البحار أو الاتصال المباشر بالعناصر الطبيعية كالأرض والماء والنار والهواء. هذه التجربة الحياتية الغنية هي التي تغذي قصائد «فن الطيور»، وتمنحها صدقاً وعمقاً فريدين.
أهمية الديوان وتأثيره الثقافي
تأتي أهمية «فن الطيور» ليس فقط في كونه إضافة قيّمة للمكتبة الشعرية العالمية، بل في رسالته الجوهرية التي تدعو إلى التوقف والتأمل في جماليات الوجود اليومي. من خلال الطيور، يدعو نيرودا القارئ إلى رؤية الحياة من منظور جديد، حيث تُصبح التغريدة الواحدة أو التحليق الحر رمزاً للحرية والفن الخالص والمقاومة ضد قيود الواقع. هذا الديوان يضيء الطريق للإنسانية نحو فن الاستمتاع بالحياة وتقدير تفاصيلها الدقيقة، ويؤكد على أن الجمال موجود في كل مكان حولنا، وينتظر فقط عيناً ترى وقلباً يشعر.
النسخة العربية من «فن الطيور» تفتح آفاقاً جديدة للقراء العرب للاطلاع على جانب مهم من إبداعات نيرودا، وتعزز التبادل الثقافي بين الحضارات. إن تقديم هذا العمل في سياق عربي يساهم في إثراء المشهد الثقافي المحلي، ويوفر فرصة للتفكير في الروابط الكونية التي تجمع البشر بالطبيعة، ويُشجع على حوار فكري حول الشعر والوجود. وقد حظي العمل بتغطية مبكرة، حيث نشرت صحيفة الخليج تقريراً عنه في مارس 2022، مسلطة الضوء على ترقب صدوره وأهميته المرتقبة.





