قد تكون خطة السلام لأوكرانيا قد ماتت، لكن ترامب لا يزال غير قادر على إيقاف بوتين
في تطور يعكس التعقيدات المستمرة للصراع الروسي الأوكراني، تشير التحليلات الأخيرة إلى أن الآمال المعلقة على خطة سلام شاملة لإنهاء الحرب قد تلاشت إلى حد كبير. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يتجلى عجز الشخصيات الدولية البارزة، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن ممارسة نفوذ حاسم لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف التصعيد أو القبول بشروط سلام مرضية للجميع. يأتي هذا التقييم ليؤكد أن الموقف على الأرض يتجاوز بكثير مجرد المقترحات الدبلوماسية، مما يضع مستقبل السلام في المنطقة على المحك.

خلفية الصراع ومحاولات التسوية الفاشلة
اندلعت الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، عندما شنت روسيا غزوًا واسع النطاق، مدعية حماية مصالحها الأمنية ومعارضة توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد أدت هذه الحرب إلى نزوح ملايين الأشخاص ودمار هائل وخسائر بشرية جسيمة، فضلاً عن تأثيرات اقتصادية وجيوسياسية عالمية واسعة النطاق. منذ بدايتها، شهد الصراع محاولات عديدة للوساطة وتقديم خطط سلام من قبل أطراف دولية مختلفة، بما في ذلك تركيا والصين وبعض الدول الأوروبية. غير أن هذه الجهود اصطدمت دائمًا بتباين الأهداف والمطالب بين الطرفين المتحاربين.
كانت بعض الخطط الأولية تركز على وقف إطلاق النار الفوري، وانسحاب القوات الروسية، والضمانات الأمنية لأوكرانيا، ومناقشة وضع المناطق المتنازع عليها. ومع ذلك، رفضت أوكرانيا أي تسوية تتضمن التنازل عن أراضيها، بينما أصرت روسيا على الاعتراف بضم الأراضي التي استولت عليها وشروط تتعلق بحياد أوكرانيا ونزع سلاحها. هذا التباين الجوهري جعل أي تقدم نحو سلام دائم أمرًا بالغ الصعوبة، وأدى إلى تجميد أو موت العديد من المبادرات الدبلوماسية قبل أن ترى النور بشكل فعال.
تأثير ترامب المحدود على الديناميكيات الجارية
لقد صرح دونالد ترامب في مناسبات عدة بقدرته على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية "في غضون 24 ساعة" إذا عاد إلى سدة الرئاسة، مستندًا إلى علاقته السابقة مع الرئيس بوتين. وقد غذت هذه التصريحات توقعات بأن وجوده قد يغير ديناميكيات الصراع. ومع ذلك، يرى محللون أن هذه الادعاءات تتجاهل الواقع المعقد على الأرض وتصلب مواقف الطرفين. فبوتين، الذي يبدو مصممًا على تحقيق أهدافه الاستراتيجية في أوكرانيا، لم يُظهر أي ميل لتغيير مساره بناءً على الضغوط الخارجية، حتى من زعماء عالميين بارزين.
إن قدرة ترامب على "إيقاف بوتين" محل شك كبير لأسباب عدة. أولاً، روسيا تعتبر هذا الصراع مسألة وجودية تتعلق بأمنها ومكانتها الجيوسياسية، وليس مجرد قضية يمكن التفاوض بشأنها بسهولة. ثانيًا، حتى لو سعى ترامب للتوسط، فإن أي خطة سلام تتجاهل السيادة الأوكرانية أو تكافئ روسيا على عدوانها ستواجه معارضة دولية واسعة، ورفضًا قاطعًا من كييف وداعميها الغربيين. ثالثًا، تعززت مواقف بوتين خلال فترة ترامب الأولى، ولم تُظهر أي بادرة على تراجعه عن أجندته الإقليمية. وبذلك، فإن نفوذ أي زعيم خارجي، مهما كان، يظل محدودًا أمام الأهداف الراسخة لأحد أطراف النزاع.
موقف بوتين ورفضه للمساومة
لقد حافظ الرئيس فلاديمير بوتين على موقف ثابت منذ بداية الغزو، مؤكدًا على أن العملية العسكرية الروسية تهدف إلى "تحرير" المناطق التي ضمتها روسيا، وتأمين "نزع سلاح" أوكرانيا و"إزالة النازية" منها، ومنع تهديدات الناتو لأمن روسيا. هذه الأهداف، التي تعتبرها أوكرانيا وحلفاؤها ذرائع لغزو غير مبرر، لا تترك مجالاً كبيرًا للمساومة. وقد أظهر بوتين مرارًا استعداده لتحمل التكاليف الاقتصادية والبشرية الهائلة للحرب، مما يشير إلى أن قراراته لا تتأثر بسهولة بالضغوط الخارجية أو التهديدات بفرض عقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، تعززت قبضة بوتين على السلطة في روسيا، ويبدو أنه لا يواجه معارضة داخلية كبيرة قد تجبره على إعادة تقييم استراتيجيته. ومع استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا من الغرب، يظل الصراع في حالة جمود عسكري ودبلوماسي، حيث لا يوجد طرف قادر على تحقيق نصر حاسم، ولا يوجد استعداد للتنازل عن المطالب الأساسية، مما يجعل خطط السلام مجرد حبر على ورق.
التداعيات المستمرة والآفاق المستقبلية
إن "موت" خطة السلام لأوكرانيا يعني استمرار الصراع، وما يترتب عليه من خسائر في الأرواح البشرية، ومعاناة المدنيين، ودمار البنية التحتية. كما أن عدم قدرة شخصيات مثل ترامب على التأثير بشكل فعال على بوتين يشير إلى حدود الدبلوماسية التقليدية في وجه الأنظمة التي تتبع أجندتها الخاصة بلا هوادة. هذا الوضع يترك أوكرانيا أمام خيار وحيد وهو مواصلة القتال بدعم من حلفائها الغربيين، بينما تستمر روسيا في محاولاتها لتعزيز مكاسبها على الأرض.
على المدى القصير، من المرجح أن يستمر القتال بوتيرة متفاوتة. وعلى المدى الطويل، ستشكل تداعيات هذه الحرب المشهد الجيوسياسي لأوروبا والعالم لسنوات قادمة. إن غياب مسار سلام واضح لا يؤجج الصراع فحسب، بل يضع ضغوطًا هائلة على التحالفات الدولية ويبرز التحديات الكامنة في التعامل مع القوى العظمى ذات الأهداف المتضاربة. هذا الوضع يدعو إلى إعادة تقييم استراتيجيات التعامل مع النزاعات الدولية المعقدة، وضرورة البحث عن حلول تتجاوز مجرد البيانات الدبلوماسية.




