قضية التيك توكر أم سجدة: هل ينتهي الحبس بالبراءة بعد 6 أشهر؟
تترقب الأوساط القانونية والجمهور على حد سواء جلسة محكمة استئناف القاهرة الاقتصادية المقبلة، والمقرر عقدها في 3 نوفمبر، للنظر في استئناف حكم حبس التيك توكر الشهيرة أم سجدة. تأتي هذه الجلسة الحاسمة لتحديد مصير الشابة بعد قضائها ستة أشهر خلف القضبان وتغريمها مبلغ 100 ألف جنيه مصري، إثر إدانتها بنشر فيديوهات اعتُبرت خادشة للحياء العام. وتثير هذه القضية جدلاً واسعاً حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والمعايير المجتمعية، بالإضافة إلى تأثيرها على مستقبل صناع المحتوى الرقمي في المنطقة.

خلفية القضية: من الشهرة إلى قفص الاتهام
برزت أم سجدة كواحدة من الشخصيات المؤثرة على منصة تيك توك، حيث جمعت آلاف المتابعين عبر محتوى متنوع، تراوح بين التحديات اليومية والفيديوهات الترفيهية. غير أن شهرتها سرعان ما تحولت إلى محنة قانونية في منتصف العام الجاري، عندما تلقت السلطات بلاغات متعددة تتهمها بتقديم محتوى يتجاوز الحدود الأخلاقية المتعارف عليها في المجتمع. وقد أشار المدعون إلى أن بعض الفيديوهات المنشورة من قبلها تضمنت إيحاءات غير لائقة أو كلمات اعتبرت بذيئة، ما يشكل انتهاكاً لقوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون الآداب العامة.
في أعقاب تلك البلاغات، تم إلقاء القبض على أم سجدة وبدأت سلسلة من التحقيقات التي استغرقت عدة أسابيع. وتمثلت الاتهامات الموجهة إليها في "نشر فيديوهات خادشة للحياء العام" و"التحريض على الفسق والفجور" عبر شبكات التواصل الاجتماعي. هذه التهم ليست جديدة على المشهد القضائي في مصر، حيث شهدت الأعوام القليلة الماضية ملاحقات قانونية لعدد من المؤثرات والشخصيات العامة على خلفية محتوى مماثل، في إطار ما يُنظر إليه على أنه مسعى لضبط المحتوى الرقمي وتأكيد القيم المجتمعية.
وبعد جلسات محاكمة استمرت لعدة أشهر، أصدرت محكمة أول درجة حكمها في يونيو الماضي، والذي قضى بحبس أم سجدة ستة أشهر وتغريمها 100 ألف جنيه. وقد أثار هذا الحكم ردود فعل متباينة، ففي حين رأى البعض أنه ضروري للحفاظ على النظام العام والأخلاق، اعتبره آخرون تقييداً لحرية التعبير الشخصي وتجاوزاً في تطبيق القوانين على المحتوى الرقمي الذي تتسم طبيعته بالجدة والتطور المستمر.
التطورات الأخيرة والسيناريوهات المحتملة
مع قرب موعد جلسة الاستئناف في 3 نوفمبر، تتزايد التكهنات حول مصير أم سجدة. ويعد هذا الطور القضائي بالغ الأهمية، حيث ستقوم محكمة الاستئناف الاقتصادية بإعادة النظر في حيثيات الحكم الصادر عن محكمة أول درجة، بناءً على الدفوع المقدمة من فريق الدفاع. ويركز الدفاع عادة في مثل هذه القضايا على عدة محاور، منها:
- عدم توافر القصد الجنائي: حيث يجادلون بأن المحتوى لم يكن يستهدف التحريض على الفسق، بل كان يندرج ضمن إطار الترفيه أو التعبير الفني الشخصي.
 - تأويل خاطئ للمحتوى: الدفاع قد يدفع بأن الفيديوهات تم تفسيرها خارج سياقها أو بطريقة متشددة لا تتناسب مع طبيعة المنصات الرقمية الحديثة.
 - مخالفة الإجراءات القانونية: أحياناً ما يركز الدفاع على وجود أخطاء إجرائية خلال مراحل التحقيق أو المحاكمة الأولى.
 
في المقابل، تتمسك النيابة العامة وبعض المدعين بضرورة تطبيق القانون بصرامة لحماية المجتمع من المحتوى الذي يعتبرونه مسيئاً أو مفسداً للأخلاق العامة، خاصة في ظل انتشار هذا النوع من المحتوى بين فئات الشباب والأطفال.
أمام محكمة الاستئناف، تبرز عدة سيناريوهات محتملة لمصير أم سجدة:
- تأييد الحكم الابتدائي: وهو ما يعني تأكيد الحبس لمدة 6 أشهر والغرامة المالية.
 - تخفيف العقوبة: قد تقرر المحكمة تقليص مدة الحبس أو تخفيف الغرامة، أو استبدال الحبس بعقوبة مالية فقط.
 - البراءة: وهو السيناريو الأقل ترجيحاً في قضايا الرأي العام المماثلة، لكنه ممكن في حال اقتنعت المحكمة بعدم وجود جريمة أو عدم كفاية الأدلة.
 - إعادة المحاكمة: في بعض الحالات، قد تقرر المحكمة إعادة القضية إلى محكمة أول درجة للنظر فيها مجدداً مع توجيهات محددة.
 
إن قرار المحكمة سيكون له تداعيات مباشرة على مستقبل أم سجدة الشخصي والمهني، وقد يشكل أيضاً سابقة مهمة لملاحقة قضايا المحتوى الرقمي في المستقبل.
النقاش العام والتداعيات على صناع المحتوى
لا تزال قضية أم سجدة تثير نقاشات حادة داخل المجتمع المصري وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ويتساءل كثيرون عن مدى مرونة القوانين الحالية في التعامل مع ظاهرة المؤثرين الرقميين والمحتوى الذي يقدمونه، والذي غالباً ما يكون موجهاً لجمهور واسع ومتنوع الأذواق والثقافات.
يرى بعض المحللين القانونيين أن هذه القضايا تسلط الضوء على الحاجة إلى تحديث التشريعات لتواكب التطورات التكنولوجية وتحديات الفضاء الرقمي، مع ضرورة الموازنة بين حماية القيم المجتمعية وضمان حرية التعبير. كما يعتبرون أن التوسع في قضايا "خدش الحياء" قد يحد من الإبداع ويخلق بيئة من الخوف بين صناع المحتوى.
من جانب آخر، يطالب شريحة من الجمهور بتشديد الرقابة على المحتوى الرقمي، مشيرين إلى التأثير السلبي لبعض الفيديوهات على النشء والشباب، خاصة في ظل سهولة الوصول إليها. وقد أدت هذه القضية، وغيرها من القضايا المماثلة، إلى دعوات متكررة لتبني معايير أكثر صرامة للمحتوى المنشور على المنصات الرقمية.
إن مصير أم سجدة، الذي سيتحدد في جلسة 3 نوفمبر، لن يكون مجرد حكم فردي، بل قد يرسخ لتوجهات قضائية جديدة فيما يتعلق بالمسؤولية القانونية لصناع المحتوى الرقمي، ويترك بصمته على المشهد الإعلامي والثقافي في مصر والمنطقة.





