كواليس وقف إطلاق النار بغزة 2019: كيف أدارت واشنطن نتنياهو لمنع التصعيد؟
كشفت تقارير صحفية استنادًا إلى شهادات مسؤولين سابقين تفاصيل عن عملية دبلوماسية مكثفة وغير معلنة قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في نوفمبر 2019، بهدف ضمان التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأطلق مسؤولون أمريكيون على هذه الجهود اسمًا غير رسمي هو "عملية جليس بيبي"، مما يعكس مستوى التدخل المباشر الذي شعرت واشنطن أنه ضروري لإدارة حليفها المقرب ومنع توسع المواجهة العسكرية.

خلفية التصعيد العسكري
اندلعت شرارة التوتر في 12 نوفمبر 2019، عندما نفذت إسرائيل غارة جوية مستهدفة في غزة أدت إلى مقتل بهاء أبو العطا، أحد كبار قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. ردت الحركة بإطلاق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى تصعيد سريع استمر لمدة يومين تقريبًا، وشمل غارات جوية إسرائيلية مكثفة على أهداف في القطاع. وفي خضم هذه الأحداث، بدأت مصر والأمم المتحدة جهود وساطة حثيثة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين.
دور الإدارة الأمريكية و"عملية جليس بيبي"
على الرغم من التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار، ساد قلق داخل الإدارة الأمريكية من أن نتنياهو قد لا يلتزم به بشكل كامل أو قد يسعى لتوسيع نطاق العملية العسكرية لأسباب سياسية داخلية. في تلك الفترة، كان نتنياهو يواجه وضعًا سياسيًا حرجًا في إسرائيل، تمثل في فشله في تشكيل حكومة بعد جولتين انتخابيتين ومواجهته اتهامات بالفساد. وفي المقابل، كان الرئيس ترامب يواجه إجراءات مساءلة في الكونغرس، وكان حريصًا على تجنب التورط في أزمة شرق أوسطية جديدة قد تصرف الانتباه عن أجندته الداخلية.
لهذه الأسباب، تم تفعيل ما وصف بـ"عملية جليس بيبي"، حيث تناوب ثلاثة من كبار المسؤولين في الإدارة على الاتصال بنتنياهو بشكل دوري ومكثف. هؤلاء المسؤولون هم:
- نائب الرئيس مايك بنس
- وزير الخارجية مايك بومبيو
- مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين
كان الهدف من هذه الاتصالات المتكررة هو التأكيد على رسالة الرئيس ترامب الواضحة بضرورة احتواء الموقف والالتزام الفوري بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه. وبحسب المصادر، كانت هذه المراقبة اللصيقة تهدف إلى منع أي تحرك إسرائيلي غير محسوب قد يؤدي إلى انهيار الهدنة وإشعال صراع أوسع نطاقًا.
الأهمية والسياق السياسي
تكتسب هذه الواقعة أهميتها من كونها تكشف عن ديناميكية معقدة في العلاقة بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، والتي كانت تبدو في العلن على أنها تحالف وثيق ومتناغم. وتوضح هذه التفاصيل وجود درجة من عدم الثقة لدى المسؤولين الأمريكيين في دوافع نتنياهو، وخوفهم من أن حساباته السياسية الشخصية قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي. كما يسلط الضوء على الطبيعة العملية للسياسة الخارجية لترامب، حيث كانت أولويته هي تجنب الأزمات الخارجية التي قد تضر بموقفه السياسي داخليًا.
في النهاية، نجحت جهود الوساطة، وتم تثبيت وقف إطلاق النار في 14 نوفمبر 2019. إلا أن الكشف عن كواليس الدور الأمريكي يضيف بعدًا جديدًا لفهم كيفية إدارة العلاقات الدبلوماسية في أوقات الأزمات، حتى بين أقرب الحلفاء، حيث تطلبت الضرورة تحول الدعم العلني إلى ضغط ومراقبة دقيقة خلف الأبواب المغلقة.




