لقاء بوتين والشرع في موسكو: تحليل دلالات البروتوكول واختيار القاعة
في خطوة دبلوماسية أثارت اهتماماً عالمياً واسعاً، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2024، رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد الشرع. وقد حظي اللقاء، وهو الأول من نوعه بين الرجلين، بمتابعة دقيقة، حيث تحولت تفاصيل الاستقبال الرسمي وبروتوكولاته إلى مادة للتحليل السياسي، خاصة بعد انتشار مقطع فيديو يوثق لحظة دخول الشرع إلى قاعة الاجتماع في الكرملين.

خلفية اللقاء وأهميته
يأتي هذا الاجتماع في أعقاب التغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا، والتي أدت إلى انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد، الذي كانت روسيا أبرز داعميه الدوليين لسنوات طويلة. ومع وصول قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى دمشق، سارعت موسكو إلى التواصل مع القيادة الجديدة بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية وضمان الاستقرار في البلاد. ويكتسب اللقاء أهمية استثنائية كونه يمثل أول اعتراف رسمي على هذا المستوى بالواقع السياسي الجديد في سوريا من قبل قوة عالمية كبرى، كما أنه يرسم ملامح العلاقة المستقبلية بين موسكو ودمشق.
تفاصيل الاستقبال الرسمي ودلالاته
ركزت التحليلات بشكل كبير على الرمزية التي حملها الاستقبال. أظهرت اللقطات المتداولة أحمد الشرع وهو يسير بمفرده في أحد الممرات الفخمة للكرملين للقاء بوتين، الذي كان في انتظاره. وقد عُقد الاجتماع في قاعة سانت كاترين، وهي قاعة تاريخية تُستخدم عادةً لاستقبال كبار الضيوف وعقد الاجتماعات الرسمية الهامة، مما فسره المراقبون على أنه رسالة روسية واضحة تمنح القيادة السورية الجديدة درجة عالية من الاحترام والشرعية الدبلوماسية. إن اختيار هذه القاعة تحديداً، بدلاً من قاعة أصغر أو أقل رسمية، يُنظر إليه على أنه إشارة إلى أن الكرملين يتعامل مع الزيارة على أنها شأن دولة رفيع المستوى، وليس مجرد لقاء استكشافي.
محاور النقاش المعلنة
بحسب البيانات الصادرة عن الكرملين، تركزت المباحثات على مجموعة من القضايا الملحة لضمان انتقال منظم للسلطة وتجنب انزلاق البلاد نحو الفوضى. وقد شملت أجندة النقاش النقاط الرئيسية التالية:
- ضمان أمن وسلامة جميع الفئات والطوائف في سوريا، بما في ذلك الأقليات.
- بحث آليات المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة جديدة تمثل مختلف أطياف الشعب السوري.
- مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وتحديداً قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس البحري، وسبل تأمينها.
- تنسيق الجهود المشتركة لمكافحة فلول التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم "داعش".
- الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها لضمان استمرارية تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
ردود الفعل والتحليلات
أثار اللقاء تبايناً في ردود الفعل الدولية والإقليمية. فبينما رأى البعض في الخطوة الروسية نهجاً براغماتياً ضرورياً للتعامل مع الواقع الجديد وحماية مصالحها، انتقد آخرون هذا التقارب السريع مع قيادة كانت تُصنف في السابق ضمن قوائم الإرهاب. وعلى صعيد التحليلات السياسية، أجمع الخبراء على أن موسكو تسعى من خلال هذا الاجتماع إلى تأكيد دورها المحوري كوسيط رئيسي في مستقبل سوريا، وإرسال رسالة إلى القوى الغربية بأنها لا تزال اللاعب الأكثر تأثيراً في الساحة السورية. كما يُعتبر اللقاء نجاحاً دبلوماسياً كبيراً للحكومة السورية المؤقتة، حيث يمنحها زخماً دولياً هي بأمس الحاجة إليه في بداية عهدها.





