لوموند تسلط الضوء على كارثة إنسانية وفظائع جماعية في الفاشر السودانية
سلطت تقارير صحفية فرنسية بارزة، بينها صحيفة لوموند، الضوء في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025 على التدهور الكارثي للوضع الأمني والإنساني في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان. تتعرض المدينة، التي تُعد آخر معقل للقوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور الشاسع، لحصار عنيف وهجمات متواصلة من قبل قوات الدعم السريع، مما يضع حياة مئات الآلاف من المدنيين والنازحين في خطر وشيك ويثير مخاوف دولية من تكرار فظائع الماضي في الإقليم.

خلفية الصراع المحتدم
تأتي هذه التطورات في سياق الحرب المدمرة المندلعة في السودان منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي". اكتسبت الفاشر أهمية استراتيجية كبرى لكونها المركز الإداري والإنساني الوحيد المتبقي خارج سيطرة قوات الدعم السريع في دارفور. قبل اندلاع الهجمات الأخيرة، كانت المدينة ملاذاً آمناً لأكثر من 1.5 مليون نازح فروا من مناطق أخرى في الإقليم، مما يجعل الأزمة الحالية ذات أبعاد إنسانية خطيرة.
تصعيد عسكري وحصار خانق
منذ عدة أشهر، فرضت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها حصارًا شبه كامل على الفاشر، وقطعت طرق الإمداد الرئيسية. وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت المدينة تصعيدًا كبيرًا في وتيرة العنف، حيث أفادت تقارير ميدانية ومنظمات إغاثية بشن هجمات عشوائية وقصف مدفعي عنيف على الأحياء السكنية المكتظة والمخيمات والأسواق. استهدفت الهجمات بشكل مباشر البنية التحتية الحيوية، وأبرزها الهجوم على المستشفى الجنوبي، المرفق الطبي الرئيسي في المدينة، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة وتفاقم الأزمة الصحية بشكل حاد.
أبعاد المأساة الإنسانية
يعيش السكان المحاصرون في الفاشر ظروفًا إنسانية بالغة القسوة، حيث حذرت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مثل أطباء بلا حدود من مجاعة وشيكة. أدى الحصار إلى نقص حاد في المواد الأساسية، بما في ذلك:
- الغذاء والماء: ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل هائل، وأصبح الحصول على مياه شرب نظيفة تحديًا يوميًا.
 - الرعاية الصحية: مع تعطل معظم المرافق الطبية، يواجه الجرحى والمرضى صعوبة بالغة في الحصول على العلاج، وتنتشر الأمراض بسبب تدهور الظروف الصحية.
 - الأمان: يواجه المدنيون خطر الموت إما بسبب القصف المستمر أو أثناء محاولتهم الفرار عبر طرق محفوفة بالمخاطر تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
 
تشير التقديرات الأولية إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين، بينما نزح عشرات الآلاف مرة أخرى داخل المدينة بحثًا عن مأوى أكثر أمانًا، لكن لا يوجد مكان آمن فعليًا في ظل استمرار القتال.
ردود الفعل الدولية والتحذيرات
أثارت الأحداث في الفاشر إدانات دولية واسعة، حيث حذر مسؤولون في الأمم المتحدة من أن الوضع ينذر بوقوع "فظائع جماعية" قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، في تذكير بالصراع الذي شهده دارفور في أوائل الألفينات. وقد دعا مجلس الأمن الدولي مرارًا إلى إنهاء الحصار وفتح ممرات إنسانية آمنة، لكن هذه الدعوات لم تترجم إلى إجراءات فعالة على الأرض. وتناقش القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات إضافية على الأطراف المسؤولة عن تصعيد العنف، لكن فعاليتها تظل موضع شك في ظل استمرار القتال.
الأهمية الاستراتيجية وتداعيات السقوط المحتمل
يحمل الصراع في الفاشر تداعيات تتجاوز حدود المدينة. فإذا سقطت في أيدي قوات الدعم السريع، فإن ذلك سيعني سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور بأكمله، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم العنف العرقي وتغيير ديموغرافي واسع. كما يُخشى أن يؤدي ذلك إلى موجة نزوح جماعية جديدة باتجاه تشاد المجاورة، مما يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. وبهذا، تمثل معركة الفاشر منعطفًا حاسمًا في مسار الحرب السودانية، حيث يتوقف على نتيجتها مصير الملايين من البشر ومستقبل إقليم دارفور.




