محكمة العدل الدولية تؤكد على مسؤوليات إسرائيل كقوة احتلال في غزة
في سلسلة من القرارات الهامة، شددت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، على الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال في قطاع غزة. جاءت هذه التأكيدات في إطار القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، متهمة إياها بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. وقد ألزمت قرارات المحكمة إسرائيل باتخاذ تدابير فورية وفعالة لضمان وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين في القطاع، الذين يواجهون ظروفاً معيشية وصفتها المحكمة بالكارثية.

خلفية القضية والسياق القانوني
بدأت الإجراءات القانونية في أواخر ديسمبر 2023، عندما قدمت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تزعم فيها أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، التي بدأت في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، تشكل انتهاكاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. تستند القضية إلى المبدأ القائل بأن على الدول الأطراف في الاتفاقية واجب منع وقوع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وفي هذا السياق، أكدت المحكمة على وضع إسرائيل كقوة احتلال، وهو ما يفرض عليها واجبات محددة بموجب القانون الإنساني الدولي، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، التي تهدف إلى حماية المدنيين في أوقات الحرب وتلزم القوة المحتلة بضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية للسكان.
التدابير المؤقتة وأبرز ما جاء في قرار المحكمة
في قرارها الصادر بتاريخ 26 يناير 2024، لم تأمر المحكمة بوقف فوري لإطلاق النار، لكنها فرضت مجموعة من التدابير المؤقتة الملزمة على إسرائيل، بهدف حماية حقوق الفلسطينيين في غزة. وقد حظي جانب المساعدات الإنسانية باهتمام كبير في القرار، حيث أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ إجراءات فورية لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها. وشملت أبرز التدابير ما يلي:
- اتخاذ جميع الإجراءات لمنع ارتكاب أي أعمال تندرج في نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية.
- ضمان أن جيشها لا يرتكب أيًا من هذه الأعمال.
- منع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
- تمكين وصول المساعدات الإنسانية العاجلة لمعالجة الظروف المعيشية السيئة في غزة.
- الحفاظ على الأدلة المتعلقة بالادعاءات المقدمة في القضية.
- تقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر واحد حول الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ الأمر.
تطورات لاحقة وتشديد الإجراءات
نظراً لتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة فرض تدابير إضافية. واستجابة لذلك، أصدرت المحكمة في 28 مارس 2024 أمراً جديداً بالإجماع، أشارت فيه إلى أن الظروف قد تغيرت منذ قرارها الأول وأن "تفشي المجاعة والمجاعة" قد بدأ. وعليه، شددت المحكمة على أوامرها السابقة وأضافت تدابير جديدة، حيث ألزمت إسرائيل بضمان توفير المساعدات الإنسانية دون عوائق، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة. تضمنت هذه الإجراءات الجديدة ضرورة زيادة قدرة وعدد نقاط العبور البرية وفتحها لتسهيل تدفق الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية بشكل عاجل.
الأهمية القانونية وردود الفعل الدولية
تكمن أهمية قرارات محكمة العدل الدولية في كونها ملزمة قانوناً لأطراف القضية، وهي تمثل موقفاً قضائياً دولياً رفيع المستوى بشأن الصراع. ورغم أن المحكمة لا تمتلك آليات مباشرة لفرض قراراتها، إلا أن هذه الأحكام تزيد من الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل. وقد رحبت السلطة الفلسطينية وجنوب أفريقيا بهذه القرارات واعتبرتها انتصاراً للعدالة الدولية، بينما رفضت إسرائيل اتهام الإبادة الجماعية ووصفته بأنه "لا أساس له"، لكنها أكدت في الوقت نفسه التزامها بالقانون الدولي وتعهدها بتسهيل وصول المساعدات. على الصعيد الدولي، دعت العديد من الدول والمنظمات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، إلى التنفيذ الفوري والكامل لقرارات المحكمة، مؤكدين على ضرورة حماية المدنيين وتسهيل جهود الإغاثة الإنسانية في غزة.





