محمد المنصوري الإدريسي يقدم 'الزمن المنفلت': الفن تفكير بصري عميق لا مجرد زينة
في خطوة فنية لافتة، احتضنت قاعة باب الرواح بالعاصمة المغربية الرباط مؤخرًا معرضًا تشكيليًا جديدًا للفنان البارز محمد المنصوري الإدريسي، يحمل عنوان "الزمن المنفلت". لا يقتصر هذا المعرض على كونه مجرد عرض لأعمال فنية حديثة، بل يمثل تجربة بصرية وفكرية تثير تساؤلات جوهرية حول علاقة الإنسان بالزمن، وتسعى جاهدة للقبض على جوهر الجمال في عالم يشهد تحولات متسارعة ودائمة.

خلفية المعرض والفنان
يعد محمد المنصوري الإدريسي، وهو رئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين ورئيس اللجنة الوطنية المغربية للجمعية العالمية للفن التشكيلي التابعة لمنظمة اليونسكو، من الشخصيات المحورية في المشهد الفني المغربي والعربي. خبرته الواسعة ومكانته المرموقة تمنح أعماله عمقًا وبعدًا فلسفيًا. يأتي معرض "الزمن المنفلت" ليكرس هذا النهج، حيث يغوص الفنان في عوالم اللون والحركة والتجريب. من خلال لوحاته ومنحوتاته، يحاول المنصوري الإمساك باللحظات العابرة والمتغيرة، ومساءلة مفهوم الجمال كقيمة أصيلة تقاوم الابتذال والتسطيح التجاري في زمن تختلط فيه الحقائق بالأوهام، والعمق بالسطحيات.
فلسفة "الزمن المنفلت"
تتمحور الفكرة الأساسية لمعرض "الزمن المنفلت" حول رؤية الفنان للإيقاع المتسارع للحياة المعاصرة. يشير المنصوري الإدريسي إلى أن الزمن لم يعد مجرد إطار يحتضننا، بل أصبح هو نفسه يفر من بين أيدينا. نحن نعيش في مرحلة تغيب فيها الثوابت، حيث يتحول كل شيء إلى حركة لا تتوقف، إلى انفلات مستمر. من هنا، نشأت رغبته في ترجمة هذا الإحساس المعقد بصريًا، وطرح استفسارات عميقة حول معنى الزمن في علاقته بذواتنا وبالعالم من حولنا. هذه الرؤية الفلسفية تتجلى بوضوح في كل تفصيل من تفاصيل المعرض، حيث يدعو المشاهد للتأمل في سرعة الزوال والتغير الدائم.
بالنسبة للمنصوري، فإن أي مشروع فني حقيقي لا يقوم على المصادفة، بل هو نتاج دراسة متأنية لجدواه وعمق فكرته، ومدى قدرته على ملامسة جوهر الواقع والإنسان. الفنان، في جوهره، هو كائن يعيش في قلب هذا الواقع، يتأثر بما يراه ويختبره، لكنه في الوقت نفسه يسعى لتحويل هذه التجارب إلى رؤية متجددة وإمكانية جمالية فريدة. إن هذا الجهد الإبداعي هو ما يرفع الفن من مجرد زينة بصرية إلى مستوى التفكير العميق والتأمل الوجودي.
رؤية المنصوري للفن والإبداع
يؤكد المنصوري الإدريسي على أن الفكر الخلاق والإبداع الفني يمتلكان القدرة على تحويل الفوضى والعبث الظاهري إلى معنى ذي قيمة، وإلى مكسب جمالي وروحي. يرى أن الفن ليس مجرد تمثيل للواقع، بل هو عملية استخلاص للنظام من قلب الاضطراب، وإيجاد لحظة وعي داخل تدفق الزمن المنفلت. هذا التوجه يعكس فهمًا عميقًا لدور الفن كأداة للمعرفة والتعبير عن تعقيدات التجربة الإنسانية، متجاوزًا بذلك الحدود التقليدية للتزيين البصري ليصبح وسيلة للتفكير والتأمل العميق.
الأهمية والتأثير
يكتسب معرض "الزمن المنفلت" أهمية خاصة في الساحة الفنية المعاصرة، كونه يقدم مقاربة جديدة لمفهوم الزمن والفن. فهو لا يعرض أعمالًا فحسب، بل يطرح إطارًا فكريًا يدعو الجمهور للتفاعل مع القضايا الوجودية التي يثيرها. من خلال مزجه بين التشكيل والفلسفة، يساهم المعرض في إثراء الحوار حول دور الفن في فهم وتحويل الواقع، ويؤكد على أن الفن الحقيقي هو فعل تأملي يتطلب "تفكيرًا بالعين" وليس مجرد تقدير لـ"زينة بصرية". هذا يجعل من أعمال المنصوري الإدريسي إضافة قيمة للمشهد الثقافي، ملهمة للجمهور والفنانين على حد سواء لإعادة تقييم علاقتهم بالزمن والجمال والإبداع.



