أحمد رفعت يدعو إلى توظيف الذكاء الاصطناعي بوعي في الفن التشكيلي
في تصريح له مؤخرًا، أكد الفنان والناقد أحمد رفعت على الأهمية البالغة للتوظيف الواعي والمسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفن التشكيلي. جاءت دعوته هذه في سياق الجدل المتنامي حول دمج التكنولوجيا الحديثة، وبخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، في الممارسات الفنية التقليدية والمعاصرة. ويشدد رفعت على أن دمج هذه التقنيات يجب أن يتم بطريقة تخدم الرؤية الفنية وتثريها، دون أن تنتقص من قيمة الإبداع البشري أو تثير تساؤلات حول الأصالة والملكية الفكرية.

خلفية عن الذكاء الاصطناعي في الفن
شهدت السنوات الأخيرة طفرة نوعية في قدرات الذكاء الاصطناعي على توليد الصور والنصوص والأعمال الفنية، مما أحدث ثورة في العديد من المجالات الإبداعية. فتقنيات مثل دال-إي (DALL-E) وميدجورني (Midjourney) ومستقر ديفيوجن (Stable Diffusion) باتت تسمح لأي شخص بإنشاء أعمال فنية معقدة بمجرد أوامر نصية بسيطة. وقد أثار هذا التطور ردود فعل متباينة في الأوساط الفنية؛ فبينما يرى البعض فيها أداة ثورية تفتح آفاقًا جديدة للتعبير الفني وتوسّع من إمكانيات الفنانين، يتخوف آخرون من تأثيرها السلبي على مفهوم الإبداع البشري، وحقوق الملكية الفكرية، وحتى تعريف الفن نفسه. كما تبرز مخاوف بشأن مصدر البيانات التي تُدرب عليها هذه النماذج، والتي غالبًا ما تشمل أعمال فنية محمية بحقوق طبع ونشر دون إذن أصحابها.
النقاط الرئيسية في موقف أحمد رفعت
تدور دعوة أحمد رفعت للتوظيف الواعي للذكاء الاصطناعي حول عدة محاور أساسية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي والقيم الفنية الأصيلة. وتتلخص هذه المحاور في الآتي:
- فهم الآلية والأهداف: يؤكد رفعت على ضرورة أن يفهم الفنانون كيفية عمل هذه التقنيات، بدلاً من استخدامها كـ"صندوق أسود" ينتج أعمالاً غير مفهومة. يجب أن يكون للفنان نية واضحة وهدف فني محدد عند استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة.
- الأصالة والإبداع البشري: يجب أن يظل الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز الرؤية الفنية للفنان، وليس بديلاً عن فكرته أو لمسته الإبداعية. فالعمل الفني يجب أن يحمل بصمة الفنان وتفسيره الفريد للعالم، مع استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في التنفيذ أو الاستكشاف.
- الأبعاد الأخلاقية والقانونية: يشدد رفعت على أهمية معالجة قضايا حقوق الملكية الفكرية والبيانات المستخدمة لتدريب النماذج. يجب تطوير أطر أخلاقية وقانونية تضمن العدالة للمبدعين الأصليين وتحمي أعمالهم من الاستغلال غير المشروع.
- التدريب والتأهيل: يدعو إلى توفير برامج تدريبية وورش عمل للفنانين لتمكينهم من استغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ومسؤول، بما يضمن دمج هذه التقنيات بطرق مبتكرة ومفيدة.
- الحوار الفكري: يؤكد على ضرورة فتح حوارات معمقة بين الفنانين والتقنيين والمنظرين الفنيين لمناقشة التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في الفن، وتشكيل رؤية مشتركة لمستقبله.
التأثير والأهمية
تكتسب دعوة أحمد رفعت أهمية خاصة في الوقت الراهن، حيث يواجه المشهد الفني تحولات عميقة. فموقفه يمثل نموذجًا للتعامل الرصين مع التكنولوجيا، لا بالرفض التام ولا بالانبهار الأعمى، بل بالدعوة إلى توظيف مستنير يعلي من قيمة الفن والإنسان. وهذا يساهم في توجيه النقاش العام حول الذكاء الاصطناعي في الفن نحو مسار أكثر بناءً وعمقًا، بعيدًا عن الاستقطاب. يمكن أن تلهم هذه الدعوة المؤسسات الفنية والأكاديميات لتطوير مناهج جديدة تدمج التكنولوجيا بوعي، وتشجع الفنانين على استكشاف الحدود الجديدة للإبداع مع الحفاظ على جوهر الفن البشري. كما أنها تسلط الضوء على دور المثقفين والفنانين في تشكيل وعي المجتمع بالتحديات والفرص التي يفرضها التقدم التكنولوجي السريع.
تطورات حديثة في مجال الفن والذكاء الاصطناعي
تتجه العديد من المعارض الفنية والمؤسسات الثقافية حول العالم نحو دمج أعمال فنية مُولدة بالذكاء الاصطناعي أو تستخدمه كأداة في عملياتها. ففي الفترة الأخيرة، شهدنا تنظيم معارض متخصصة تستكشف العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعي، وظهر فنانون يستخدمون هذه الأدوات لخلق تجارب بصرية جديدة أو لإنتاج أعمال فنية لا يمكن تحقيقها بالطرق التقليدية. على سبيل المثال، بدأت بعض المتاحف في عرض أعمال يتم فيها استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات فنية تاريخية وإنشاء تفسيرات جديدة لها. هذه التطورات تؤكد على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موضة عابرة، بل هو جزء متزايد الأهمية من المشهد الفني المعاصر، مما يجعل دعوات التوظيف الواعي والمسؤول أكثر إلحاحًا.
في الختام، تعكس رؤية أحمد رفعت تيارًا متزايدًا في الأوساط الفنية يدعو إلى تبني الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية قوية، شريطة أن يتم ذلك بوعي كامل للأبعاد الأخلاقية والجمالية والقانونية، لضمان استمرار الفن التشكيلي في التطور والازدهار مع الحفاظ على قيمته الإنسانية المتفردة.



