مخاوف أمريكية من تراجع نتنياهو عن اتفاق التهدئة في غزة
سادت حالة من القلق داخل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتفاق التهدئة الهش الذي تم التوصل إليه في قطاع غزة بوساطة دولية. وأفادت تقارير إعلامية في ذلك الوقت، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، بأن واشنطن كانت تخشى أن تؤدي الضغوط السياسية الداخلية في إسرائيل إلى تراجع نتنياهو عن التفاهمات، مما قد يشعل جولة جديدة من العنف المدمر في المنطقة.

خلفية الاتفاق الهش
تم التوصل إلى تفاهمات التهدئة في أواخر عام 2018 بعد أشهر من التوتر على حدود غزة، والذي تمثل في مسيرات العودة الكبرى والاشتباكات المتقطعة. قادت مصر والأمم المتحدة جهود الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس بهدف تحقيق هدوء طويل الأمد. تضمن الاتفاق غير الرسمي مجموعة من الإجراءات لتخفيف الحصار المفروض على القطاع، وشملت بنوده الرئيسية:
- السماح بدخول المنحة المالية القطرية إلى غزة لدفع رواتب الموظفين الحكوميين وتمويل الوقود اللازم لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.
- توسيع مساحة الصيد المسموح بها للصيادين الفلسطينيين قبالة سواحل غزة.
- تخفيف القيود على حركة البضائع والأفراد عبر المعابر.
في المقابل، التزمت الفصائل الفلسطينية في غزة بوقف إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة، والحد من عنف المظاهرات على طول السياج الحدودي.
مصدر القلق الأمريكي
نشأت المخاوف الأمريكية بشكل أساسي من البيئة السياسية المعقدة التي كان يعمل فيها نتنياهو. فقد واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي انتقادات حادة من حلفائه في الائتلاف الحكومي اليميني، الذين اعتبروا الاتفاق بمثابة استسلام لـ"الإرهاب" ومكافأة لحماس. وبلغت هذه الضغوط ذروتها مع استقالة وزير الدفاع آنذاك، أفيغدور ليبرمان، احتجاجًا على ما وصفه بـ"التساهل" مع حماس، وهي خطوة كادت أن تطيح بالحكومة الإسرائيلية.
كان المسؤولون في إدارة ترامب يخشون أن يرضخ نتنياهو لهذه الضغوط، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات، فيقوم بعمل عسكري واسع النطاق في غزة أو يعيد تشديد الحصار لإثبات قوته أمام ناخبيه وقاعدته السياسية اليمينية. مثل هذا التصعيد كان من شأنه أن يقوض تمامًا جهود الوساطة المصرية والأممية ويدفع المنطقة إلى حرب شاملة.
الأبعاد الإقليمية والدبلوماسية
لم تكن المخاوف الأمريكية معزولة عن سياق أوسع، حيث كانت إدارة ترامب تعمل على بلورة خطتها للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن". كان الحفاظ على الاستقرار في غزة جزءًا أساسيًا من تهيئة الأجواء لهذه المبادرة الدبلوماسية التي قادها كل من جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات. كان يُنظر إلى أي انفجار للأوضاع في غزة على أنه عقبة كبيرة أمام هذه الجهود، حيث سيصرف الانتباه ويستنزف الطاقات الدبلوماسية ويعقد العلاقات مع الشركاء العرب الرئيسيين.
لذلك، دعمت واشنطن بهدوء جهود الوساطة الإقليمية، معتبرة أن التهدئة، رغم هشاشتها، هي الخيار الأفضل لتجنب سيناريو أسوأ قد ينسف أجندتها الأوسع في المنطقة. وكان القلق من أن أي تصرف غير محسوب من جانب نتنياهو قد يجر الولايات المتحدة إلى أزمة لم تكن ترغب في إدارتها في ذلك التوقيت.




