مساعي تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية: القرار النهائي بيد الرئيس عباس
في خضم النقاشات المكثفة حول مستقبل الحكم الفلسطيني، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، برزت صلاحيات الرئيس محمود عباس كعنصر محوري في تحديد مسار تشكيل حكومة جديدة. وتؤكد مصادر مقربة من الرئاسة الفلسطينية أن قرار تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط) هو حق دستوري أصيل للرئيس، وهو الموقف الذي يضع السلطة الفلسطينية في مسار قد يختلف عن رؤى بعض الفصائل الأخرى والقوى الإقليمية.

الخلفية والسياق السياسي
تصاعدت الضغوط الدولية، لا سيما من الولايات المتحدة والدول العربية، على السلطة الفلسطينية لإجراء إصلاحات شاملة وتشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انتهاء الصراع. وتهدف هذه الدعوات إلى إيجاد بديل سياسي لحركة حماس في غزة، وتوحيد الأراضي الفلسطينية تحت إدارة واحدة تحظى بقبول دولي واسع، مما يسهل عمليات إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.
في استجابة لهذه الضغوط، قدم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية استقالة حكومته في فبراير 2024، موضحًا أن هذه الخطوة تأتي لإفساح المجال أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات تستطيع التعامل مع التحديات الجسيمة التي تواجه القضية الفلسطينية. وقد قَبِل الرئيس عباس الاستقالة، لكنه كلف حكومة اشتية بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
موقف حركة فتح والسلطة الفلسطينية
تتمسك حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس عباس، بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تتم من خلال مؤسساتها. وعليه، فإن تشكيل الحكومة، وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، يقع ضمن صلاحيات الرئيس الذي يقوم بتكليف رئيس للوزراء، والذي بدوره يشكل حكومته ويعرضها لنيل الثقة.
وبناءً على هذا المبدأ، أبدت فتح تحفظها على الاجتماعات التي عقدتها فصائل فلسطينية أخرى، بما فيها حماس والجهاد الإسلامي، في مدن مثل القاهرة وموسكو، والتي كانت تهدف إلى التوافق على حكومة وحدة وطنية. واعتبرت فتح أن هذه اللقاءات تتجاوز الأطر الشرعية، مؤكدة أن الحوار الوطني يجب أن يجري داخل فلسطين وتحت مظلة منظمة التحرير.
التطورات الأخيرة وردود الفعل
شكل تكليف الرئيس عباس للخبير الاقتصادي محمد مصطفى برئاسة الوزراء في مارس 2024 تطورًا مفصليًا. ويُعرف مصطفى، الذي شغل سابقًا مناصب اقتصادية رفيعة، بأنه شخصية مستقلة ولكنها مقربة من الرئيس. وقد تمثلت مهمته الأساسية في تشكيل حكومة تكنوقراط تركز على الأولويات التالية:
- قيادة جهود الإغاثة وإعادة إعمار قطاع غزة.
- إعادة توحيد المؤسسات الحكومية بين الضفة الغربية والقطاع.
- تنفيذ إصلاحات إدارية ومالية شاملة في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
- التحضير لإجراء انتخابات عامة.
إلا أن هذا التعيين قوبل بانتقادات حادة من عدة فصائل فلسطينية، على رأسها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وأصدرت هذه الفصائل بيانًا مشتركًا اعتبرت فيه الخطوة "تفردًا بالقرار" و"تعميقًا للانقسام"، مشيرة إلى أنها تمت دون تشاور وطني، مما يقوض جهود المصالحة والوحدة في مرحلة حرجة.
الأهمية والتداعيات
تعكس أزمة تشكيل الحكومة الجديدة عمق الخلافات السياسية الفلسطينية الداخلية. فبينما يرى الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية أن التحرك ضمن الأطر الدستورية القائمة هو السبيل للحفاظ على الشرعية الدولية، ترى الفصائل الأخرى أن التوافق الوطني هو الأولوية القصوى لمواجهة التحديات الخارجية. ويثير هذا الانقسام مخاوف بشأن قدرة أي حكومة جديدة على العمل بفعالية في قطاع غزة، حيث تحتفظ حماس بوجود قوي على الأرض. كما قد يؤثر هذا الخلاف على تدفق المساعدات الدولية المخصصة لإعادة الإعمار، حيث تفضل الجهات المانحة التعامل مع حكومة تحظى بقبول فلسطيني واسع.





