بعد سنوات طويلة من الترقب والأحاديث المتفرقة، بدأ مشروع المخرج المكسيكي الشهير جييرمو ديل تورو لتحويل رواية ماري شيلي الخالدة "فرانكشتاين" إلى عمل سينمائي يرى النور أخيرًا. لطالما كان هذا الفيلم حلمًا يراود ديل تورو، المعروف بشغفه العميق بالوحوش، القصص القوطية، والأبعاد الإنسانية الخفية وراء الظواهر المخيفة. تشير التطورات الأخيرة، التي برزت على الساحة الفنية في أواخر العام الماضي وبداية هذا العام، إلى أن هذا الحلم يتحول تدريجياً إلى واقع ملموس، واعدًا بتقديم رؤية فريدة وعميقة لواحدة من أشهر قصص الرعب والأدب العالمي.

الخلفية التاريخية وشغف ديل تورو
يمثل "فرانكشتاين" بالنسبة لجييرمو ديل تورو أكثر من مجرد مشروع سينمائي؛ إنه تتويج لشغف استمر مدى الحياة. أشار ديل تورو في مناسبات عديدة إلى تأثير رواية ماري شيلي عليه منذ صغره، وكيف شكلت مفهومه للوحوش والكائنات المرفوضة التي غالبًا ما تكون أكثر إنسانية من البشر أنفسهم. هذا الشغف انعكس بوضوح في معظم أعماله السابقة، من "متاهة بان" (Pan's Labyrinth) إلى "شكل الماء" (The Shape of Water) الحائز على الأوسكار، حيث تتميز أفلامه بقدرتها على مزج الرعب بالخيال، والجمال بالقبح، والعنف بالرقة، مع التركيز على التعاطف مع "الآخر" والمختلف.
لقد حاول ديل تورو مرارًا وتكرارًا إخراج نسخة خاصة به من "فرانكشتاين" عبر العقود الماضية، إلا أن ظروف الإنتاج والتحديات الفنية حالت دون ذلك. كانت رؤيته للمخلوق والدكتور فيكتور فرانكشتاين دائمًا ما تبتعد عن التفسيرات التقليدية، متجهة نحو استكشاف الجوانب الفلسفية والأخلاقية العميقة التي طرحتها الرواية الأصلية حول الخلق، المسؤولية، والبحث عن الهوية. هذا الانتظار الطويل يضفي على المشروع الحالي وزنًا إضافيًا، ويجعله بمثابة تتويج لرحلة فنية طويلة ومخلصة.
التطورات الأخيرة في الإنتاج
شهدت الأشهر الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في إعدادات إنتاج فيلم "فرانكشتاين" لديل تورو، مما يؤكد أن المشروع بات قاب قوسين أو أدنى من بدء التصوير. وقد أفادت تقارير إخبارية، نُشرت في فبراير ومارس من العام الجاري، بتأكيد انضمام كوكبة من النجوم الموهوبين إلى طاقم العمل، مما زاد من حماس الجماهير والنقاد على حد سواء. أبرز الأسماء التي تأكدت مشاركتها تشمل الممثلين المرموقين أوسكار آيزاك بدور الدكتور فيكتور فرانكشتاين، وميا جوث، وكريستوف والتز في أدوار محورية لم يُكشف عن تفاصيلها بعد بشكل كامل، لكنها بلا شك ستضيف عمقًا وتعقيدًا للشخصيات.
يُنتج الفيلم لصالح منصة نتفليكس، مما يمنح ديل تورو حرية إبداعية واسعة تتناسب مع رؤيته الفنية الطموحة، وهو ما لوحظ في تعاونهما السابق الناجح في فيلم "بينوكيو" المتحرك بتقنية إيقاف الحركة، والذي حصد جائزة الأوسكار. يُتوقع أن يبدأ التصوير الرئيسي في وقت لاحق من هذا العام، مع تحضيرات مكثفة للتصميم الإنتاجي وتصميم المخلوقات، وهي مجالات يبرع فيها ديل تورو بشكل استثنائي.
لماذا يهم هذا المشروع؟
يمثل مشروع "فرانكشتاين" لجييرمو ديل تورو أهمية بالغة لعدة أسباب، تتجاوز مجرد كونه فيلمًا جديدًا لمخرج كبير:
- إعادة إحياء كلاسيكية أدبية: "فرانكشتاين" ليست مجرد قصة رعب، بل هي تحفة أدبية تناقش قضايا عميقة حول الأخلاق العلمية، التفرقة المجتمعية، والوجود. قدرة ديل تورو على استكشاف هذه الثيمات بمنظور فريد يمكن أن يقدم للجمهور رؤية جديدة للقصة.
 - بصمة ديل تورو الفريدة: يشتهر المخرج بأسلوبه البصري المميز وقدرته على جعل الوحوش كائنات نتعاطف معها. من المتوقع أن يقدم "مخلوق فرانكشتاين" بطريقة غير مسبوقة، تسلط الضوء على آلامه ومعاناته بدلاً من مجرد تصويره كوحش مخيف.
 - توقعات الجودة الفنية: مع تاريخ ديل تورو الحافل بالأفلام المتقنة والحائزة على جوائز، بالإضافة إلى طاقم الممثلين القوي، يتوقع النقاد والجمهور عملًا سينمائيًا ذا جودة فنية عالية، يجمع بين القصة القوية والجمال البصري المذهل.
 - التأثير الثقافي: يمكن لهذا الفيلم أن يعيد تعريف أيقونة "فرانكشتاين" لجيل جديد، وأن يثير نقاشات حول الرواية الأصلية وتأثيرها الدائم، مما يعزز مكانة الأدب الكلاسيكي في الوعي الثقافي المعاصر.
 
الرؤية الفنية واللمسة الجمالية
تتركز رؤية ديل تورو لـ"فرانكشتاين" حول تحويل الرعب التقليدي إلى "كابوس جميل"، وهو مصطلح يلخص فلسفته الفنية. يعني ذلك أنه على الرغم من أن الفيلم سيحتوي على عناصر مظلمة ومخيفة تتناسب مع طبيعة القصة، إلا أنه سيقدمها بجمالية بصرية مبهرة وتفاصيل فنية غنية. من المتوقع أن يعتمد ديل تورو على مزيج من المؤثرات العملية المتقنة، التي يفضلها لإضفاء حس الواقعية واللمس اليدوي على مخلوقاته، بالإضافة إلى المؤثرات الرقمية الحديثة لخلق عالم قوطي آسر. تصميم المخلوق نفسه سيكون حجر الزاوية، ومن المؤكد أنه سيحمل بصمة ديل تورو الفريدة التي تمزج بين الغرابة والجمال، وتثير التعاطف بدلاً من الاشمئزاز المطلق. سيُغوص الفيلم عميقًا في النفس البشرية، ويستكشف معضلات الدكتور فيكتور وصراع المخلوق مع وجوده وهويته في عالم يرفضه، مقدمًا قصة مؤثرة بقدر ما هي مرعبة.
باختصار، يمثل مشروع "فرانكشتاين" لجييرمو ديل تورو محطة مهمة في مسيرة هذا المخرج المبدع، وفرصة لتقديم رؤية متكاملة لقصة كلاسيكية طالما حلم بها. إن تحويل هذا الحلم الطويل إلى واقع سينمائي على يد فنان بهذا العمق والشغف، يُنبئ بتجربة بصرية وعاطفية لا تُنسى، كابوس سينمائي آسر يجسد تعقيدات الوجود الإنساني بلمسة فنية فريدة.





