مصر تعبر عن قلقها البالغ وتدعو لهدنة فورية في السودان
أعربت جمهورية مصر العربية عن قلقها العميق إزاء التطورات المتسارعة والخطيرة في السودان، وذلك في أعقاب اندلاع الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وفي بيانات رسمية صادرة عن وزارة الخارجية، دعت القاهرة كافة الأطراف السودانية إلى وقف فوري لإطلاق النار، واللجوء إلى الحوار لإنهاء الأزمة، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية ومقدراتها.

الموقف المصري الرسمي
منذ بداية الأزمة في أبريل 2023، اتخذت مصر موقفاً واضحاً يدعو إلى التهدئة وضبط النفس. وقد شددت البيانات المصرية المتعاقبة على أهمية التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة تسمح بمرور المساعدات الإغاثية وإجلاء المصابين. وأكدت مصر على أنها تتابع الأوضاع عن كثب على مدار الساعة، وتجري اتصالات مكثفة مع الأطراف المعنية على المستويين الإقليمي والدولي بهدف احتواء التصعيد ومنع انزلاق البلاد إلى الفوضى الشاملة. ويتمحور الموقف المصري حول ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية العليا للسودان، والعمل من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يمهد الطريق لعملية سياسية شاملة يقودها السودانيون بأنفسهم.
الخلفية والأهمية الاستراتيجية لمصر
ترتبط مصر والسودان بعلاقات تاريخية وجغرافية واستراتيجية عميقة، مما يجعل استقرار السودان جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. يمتد البلدان على طول حدود مشتركة تتجاوز 1200 كيلومتر، ويتشاركان في مياه نهر النيل، الذي يمثل شريان الحياة لكليهما. اندلع الصراع الحالي بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في البلاد: القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي". وجاء هذا الصراع لينهي فترة انتقالية هشة أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي الهش في البلاد.
بالنسبة للقاهرة، يمثل عدم الاستقرار في السودان تحديات متعددة، منها المخاوف من تدفق اللاجئين عبر الحدود، وتأثير ذلك على الموارد والخدمات، بالإضافة إلى احتمالية امتداد الاضطرابات الأمنية. كما أن الأزمة تؤثر على التنسيق المشترك بين البلدين في ملفات حيوية، أبرزها قضية سد النهضة الإثيوبي.
التحركات الدبلوماسية والجهود الإنسانية
لم يقتصر الدور المصري على البيانات الرسمية، بل امتد ليشمل تحركات دبلوماسية مكثفة. وفي هذا الإطار، استضافت القاهرة قمة دول جوار السودان في يوليو 2023، بهدف بلورة رؤية مشتركة للتعامل مع الأزمة. وقد خرجت القمة بعدة توصيات رئيسية تهدف إلى حل النزاع بشكل سلمي.
- الدعوة إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.
 - تشكيل آلية وزارية من دول الجوار لمتابعة تنفيذ مخرجات القمة والتنسيق المشترك.
 - التأكيد على رفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للسودان، واعتبار الأزمة شأناً سودانياً خالصاً.
 - تسهيل إنشاء ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية وتخفيف معاناة الشعب السوداني.
 
على الصعيد الإنساني، لعبت مصر دوراً محورياً في عمليات إجلاء رعاياها وآلاف من مواطني الدول الأخرى العالقين في السودان عبر المعابر البرية والبحرية. كما قامت بتقديم مساعدات إنسانية وطبية عاجلة، وتعمل منظمات مثل الهلال الأحمر المصري على الحدود لتقديم الدعم اللازم للفارين من النزاع، مما يعكس التزامها التاريخي بدعم الشعب السوداني في أزماته.
التحديات الراهنة والنظرة المستقبلية
على الرغم من الجهود المصرية والدولية، لا يزال الصراع مستمراً، مما يضع ضغوطاً متزايدة على دول الجوار، وفي مقدمتها مصر. يمثل التدفق المستمر للنازحين السودانيين تحدياً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً، ويتطلب تنسيقاً دولياً لتوفير الموارد اللازمة. وتواصل القاهرة تأكيدها على أن الحل الوحيد الممكن للأزمة هو حل سياسي شامل، وأنها ستستمر في دعم كل جهد يهدف إلى تحقيق الاستقرار والسلام في السودان الشقيق، انطلاقاً من إيمانها بوحدة المصير بين شعبي وادي النيل.




