مصطفى الفقي يحدد شرط مصر الوحيد للتدخل العسكري في السودان
في تصريحات حديثة، قدم المفكر السياسي والدبلوماسي المصري البارز، الدكتور مصطفى الفقي، رؤيته حول الموقف المصري من الصراع الدائر في السودان، موضحًا أن القاهرة لن تقدم على تدخل عسكري مباشر إلا في ظل شرط واحد ومحدد يتعلق بتهديد وجودي لأمنها القومي. كما قيّم الفقي طبيعة القوات المتصارعة، معتبراً أن حسم المعركة ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان "حميدتي" دقلو سيكون أمراً يسيراً على جيش نظامي مثل الجيش المصري.

الخط الأحمر المصري للتدخل
أوضح الفقي أن التدخل العسكري المصري في الأزمة السودانية يبقى احتمالاً مستبعداً ما لم يتم تجاوز خط أحمر واضح. ووفقاً لتحليله، تتمثل هذه الحالة الاستثنائية والوحيدة في تعرض الأمن القومي المصري لخطر مباشر وحقيقي، مثل محاولة استهداف السد العالي في أسوان أو أي اعتداء يمس السيادة المصرية على حدودها الجنوبية بشكل خطير. وأكد أن مثل هذا السيناريو سيجبر مصر على الرد بقوة وحسم لحماية مصالحها الحيوية، مشيراً إلى أن هذا الموقف لا يعبر عن رغبة في الحرب، بل عن ضرورة حتمية للدفاع عن النفس.
تقييم ميزان القوى في السودان
في معرض حديثه عن طبيعة الصراع، فرق الدكتور الفقي بشكل واضح بين الجيش السوداني النظامي وقوات الدعم السريع. ووصف قوات الدعم السريع بأنها، في جوهرها، ميليشيا قبلية مسلحة تفتقر إلى التنظيم الهرمي والانضباط الذي يميز الجيوش الوطنية. وبناءً على هذا التقييم، اعتبر أن مواجهة هذه القوات عسكرياً من قبل جيش نظامي متمرس كالجيش المصري ستكون مهمة "سهلة" نسبياً، لأن تكتيكاتها وأسلوب قتالها لا يرقيان لمستوى المواجهة مع جيش دولة منظم. ويأتي هذا التحليل في سياق النقاش الدائر حول قدرة قوات الدعم السريع على الصمود في وجه الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
خلفية تاريخية للعلاقات المصرية السودانية
لتقديم سياق أعمق للموقف الحالي، عاد الفقي إلى الوراء مستعرضاً تاريخ العلاقات بين البلدين، خاصة بعد ثورة يوليو 1952. وأشار إلى أن الأنظمة المصرية المتعاقبة، بدءاً من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أهملت الملف السوداني بشكل غير مقصود، حيث كان التركيز منصباً على قضايا أخرى. ولفت إلى أن مباركة عبد الناصر لاستقلال السودان في عام 1956 لم تكن نابعة من رغبة في الانفصال بقدر ما كانت اعترافاً بالواقع السياسي آنذاك، حيث لم يكن أمامه خيار آخر. هذه الخلفية التاريخية، بحسب الفقي، تفسر جزءاً من التعقيدات التي تشوب العلاقة بين "شقيقي وادي النيل" حتى اليوم.
الموقف الرسمي المصري من الأزمة
من المهم التمييز بين التحليلات الشخصية والموقف الرسمي للدولة المصرية. فطوال الأزمة السودانية التي اندلعت في أبريل 2023، حافظت القاهرة على سياسة ثابتة تقوم على المبادئ التالية:
- الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وحل الأزمة عبر الحوار السياسي.
 - التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية.
 - استضافة قمة دول جوار السودان في القاهرة لبحث سبل إنهاء الصراع ومنع تداعياته الإقليمية.
 - تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للسودانيين الفارين من الحرب واستقبال مئات الآلاف منهم على أراضيها.
 
وبالتالي، فإن تصريحات الدكتور الفقي تمثل وجهة نظر تحليلية واستراتيجية، بينما تظل السياسة الرسمية المصرية ملتزمة بمسار الحلول الدبلوماسية وعدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للسودان، مع التأكيد على استعدادها للدفاع عن أمنها القومي بكل حزم.





