معرض "حكايات ذبابة" للفنانة شهيرة عنتر قطب: لقاء الفلسفة والفن المعاصر

شهد قصر ثقافة أسيوط، أمس، افتتاح معرض "حكايات ذبابة" للفنانة التشكيلية المتميزة شهيرة عنتر قطب، في حدث فني وثقافي بارز يجمع بين عوالم الفلسفة العميقة وجماليات الفن المعاصر. وقد حضر الافتتاح نخبة من الأكاديميين والشخصيات الفنية، مما أضفى أهمية خاصة على المعرض الذي يعد نافذة على رؤى فكرية جديدة.

تفاصيل الافتتاح والشخصيات البارزة

تولى افتتاح المعرض كوكبة من الشخصيات الأكاديمية الرفيعة، منهم الدكتور محمد ثابت بداري، عميد كلية الفنون الجميلة السابق بجامعة أسيوط ووكيل كلية الفنون الجميلة بالجامعة الروسية وأستاذ التصوير، والدكتور وجدي رفعت فريد نخلة، أستاذ الأشغال الفنية وعميد كلية التربية النوعية السابق بجامعة أسيوط، إلى جانب الدكتور عبد الصبور جمال عبد الصبور، رئيس قسم الوراثة بكلية الزراعة جامعة سوهاج. يعكس حضور هذه القامات العلمية المتنوعة الاهتمام الواسع بالمعرض ليس فقط في الأوساط الفنية، بل يمتد ليشمل مجالات أكاديمية أخرى، مما يسلط الضوء على الأبعاد الفكرية العميقة التي يطرحها.

يُعد قصر ثقافة أسيوط وجهة ثقافية رائدة في صعيد مصر، ودائمًا ما يحتضن فعاليات فنية تهدف إلى إثراء المشهد الثقافي المحلي وتقديم أعمال تكسر المألوف، ويأتي هذا المعرض ليؤكد على هذا الدور من خلال دعوته للجمهور للتأمل والتساؤل.

الفنانة شهيرة عنتر قطب وفلسفة الذبابة

تُعرف الفنانة شهيرة عنتر قطب بأسلوبها الفني الذي يميل إلى التجريد والتعبيرية، مع تركيز خاص على دمج الأفكار الفلسفية في أعمالها. تتميز لوحاتها ومنحوتاتها باستخدام مواد وتقنيات متعددة، مما يمنح أعمالها عمقًا بصريًا وفكريًا. يمثل معرض "حكايات ذبابة" نقلة نوعية في مسيرتها، حيث تتناول من خلاله رمزية الذبابة كمحور رئيسي للبحث والتساؤل.

تتجاوز الذبابة في هذا المعرض كونها مجرد حشرة صغيرة مزعجة، لتتحول إلى استعارة متعددة الأوجه تستكشف قضايا وجودية عميقة. يمكن للذبابة أن ترمز إلى:

• الوجود الهش والمؤقت: حيث تعكس دورة حياتها القصيرة سرعة الزوال وفناء الكائنات، مما يدعو للتأمل في قيمة اللحظة الراهنة.
• المراقبة الصامتة: الذبابة ككائن حاضر في كل مكان، يراقب البشر دون أن يلاحظه أحد، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة الرؤية، الوجود الخفي، وحدود الإدراك البشري.
• التطفل والإزعاج: يمكن أن تمثل الجوانب المزعجة وغير المرغوبة في الحياة أو المجتمع، مما يدفع المشاهد للتفكير في ردود فعله تجاه هذه العناصر المتطفلة.
• الصمود والبقاء: على الرغم من صغر حجمها وضعفها الظاهري، إلا أنها كائن شديد المقاومة والبقاء، مما يرمز إلى القدرة على التكيف في بيئات مختلفة، والتحديات التي تواجه الكيانات الصغيرة في عالم كبير.

من خلال هذه الرمزية المعقدة، تدعو قطب الجمهور إلى إعادة التفكير في علاقتهم بالعالم المحيط وتفاصيله الدقيقة التي غالبًا ما تمر دون تدقيق، مشيرة إلى أن الجمال والعمق يمكن أن يوجدا في أبسط الأشياء.

تلاقح الفلسفة والفن المعاصر في أعمال قطب

يكمن جوهر معرض "حكايات ذبابة" في قدرة الفنانة على صهر المفاهيم الفلسفية المعقدة ضمن قوالب فنية معاصرة. فالفن المعاصر، بطبيعته، غالبًا ما يتجاوز الجماليات التقليدية ليتعمق في الأبعاد المفاهيمية والاجتماعية. تستخدم شهيرة عنتر قطب الألوان، الأشكال، والتركيبات لإيصال رسائل تتناول موضوعات مثل:

• الوعي والإدراك: كيف يرى الكائن (الذبابة) العالم من منظوره الخاص، وكيف يؤثر هذا المنظور على فهمنا للحقيقة والواقع.
• الإنسانية والطبيعة: إعادة تقييم مكانة الإنسان في الكون وعلاقته بالكائنات الأخرى، ودعوة للتعايش والتأمل في النظم البيئية.
• العبثية والوجودية: استكشاف معنى الوجود في عالم يبدو أحيانًا بلا معنى أو خاضعًا للصدفة، حيث يمكن للذبابة أن تكون رمزًا لهذا العبث الذي يدعو للتفكير العميق.

لا تقدم الفنانة إجابات قاطعة، بل تطرح أسئلة وتدع المشاهدين للانخراط في حوار فكري مع أعمالها. هذا التفاعل العميق هو ما يميز الفن المعاصر الذي لا يكتفي بالإبهار البصري، بل يهدف إلى تحفيز الفكر وتوسيع آفاق الإدراك.

أهمية المعرض وتأثيره المتوقع

يُتوقع أن يكون لمعرض "حكايات ذبابة" تأثير كبير على المشهد الفني في أسيوط وفي مصر بشكل عام. فهو لا يقدم مجرد لوحات أو منحوتات، بل يمثل تجربة فكرية وبصرية متكاملة تدفع الجمهور إلى التفكير النقدي وتحدي تصوراتهم المسبقة. تساهم هذه الأعمال في توسيع آفاق الفن المعاصر من خلال دمج رؤى فلسفية عميقة، مما يثري الحوار الفني والثقافي ويفتح آفاقًا جديدة للإبداع.

يعد هذا المعرض فرصة فريدة للجمهور للتعرف على أسلوب فني جديد يستلهم من أبسط العناصر ليطرح من خلالها أعقد التساؤلات الإنسانية. كما يؤكد على دور الفن كمرآة عاكسة للواقع، وأداة للتأمل والتساؤل حول جوهر الوجود ومكانة الإنسان فيه، مما يعزز من مكانة الفن التشكيلي كحامل للرسائل الفكرية العميقة.