مقترح إسرائيلي مثير للجدل يمنح منسق شؤون الأسرى صلاحية تعديل الأحكام القضائية
أثارت خطط تدعمها الحكومة الإسرائيلية لتوسيع صلاحيات منسق شؤون الأسرى والمفقودين جدلاً واسعاً وموجة من الإدانات من قبل الهيئات الفلسطينية والحقوقية. ويتمحور المقترح، الذي يحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول منح هذا المنصب السياسي القدرة على طلب تعديل الأحكام الصادرة بحق الأسرى الفلسطينيين استناداً إلى تقارير استخباراتية سرية، وهي خطوة يراها منتقدون تقويضاً خطيراً لاستقلالية القضاء ومبادئ العدالة الأساسية.

خلفية المقترح وتفاصيله
يشغل منصب منسق شؤون الأسرى والمفقودين في إسرائيل شخصية سياسية يتم تعيينها من قبل الحكومة، وتتركز مهامه تقليدياً في إدارة ملفات المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى والبحث عن المفقودين. إلا أن الصلاحيات الجديدة المقترحة تنقل دوره من النطاق التفاوضي والسياسي إلى التدخل المباشر في الإجراءات القضائية. وبموجب هذا التعديل، سيتمكن المنسق من تقديم طلبات إلى المحاكم العسكرية لمراجعة أو تشديد الأحكാം الصادرة بحق الأسرى، حتى بعد أن تكون قد أصبحت نهائية، وذلك بناءً على ما يُوصف بأنه "معلومات استخباراتية جديدة" تُقدَّم في تقارير سرية لا يُسمح للدفاع بالاطلاع عليها أو الطعن في محتواها.
تُعد هذه الآلية سابقة قانونية تمنح جهة تنفيذية سلطة التأثير على قرارات قضائية، مما يثير مخاوف جدية حول مبدأ الفصل بين السلطات. ويرى محللون أن هذه الخطوة تأتي في سياق الضغوط التي تمارسها أطراف يمينية متشددة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، والتي تطالب باستمرار بفرض إجراءات أكثر صرامة ضد الأسرى الفلسطينيين.
ردود الفعل الفلسطينية والتحذيرات الحقوقية
قوبل المقترح برفض قاطع من جانب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين. وفي تصريحات صدرت مؤخراً، وصف المتحدث باسم الهيئة، ثائر شريتح، هذه الخطوة بأنها "بالغة الخطورة" وتضرب أسس العدالة. وأكد أن منح شخصية سياسية صلاحية تعديل الأحكام القضائية بناءً على تقارير غامضة وسرية يحول القضاء إلى أداة سياسية، ويعكس توجهاً نحو شرعنة الإجراءات التعسفية. واعتبر شريتح أن هذا الإجراء يعكس طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تسعى لفرض سياساتها بالقوة خارج أي إطار قانوني أو أخلاقي.
كما حذرت منظمات حقوقية أخرى من أن هذه الصلاحيات الجديدة ستؤدي إلى انتهاكات ممنهجة لحقوق الأسرى، وأهمها الحق في محاكمة عادلة وشفافة. فالاعتماد على "أدلة سرية" يحرم الأسير وفريقه القانوني من حقهم الأساسي في مواجهة الأدلة المقدمة ضدهم، وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
الأبعاد القانونية وانتهاك القانون الدولي
من منظور القانون الدولي، يثير المقترح إشكاليات جوهرية. فوفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، يجب أن يتمتع الأشخاص المحميون في الأراضي المحتلة، ومن ضمنهم الأسرى، بضمانات قضائية كاملة. وتشمل هذه الضمانات الحق في معرفة التهم الموجهة إليهم، والاطلاع على الأدلة، والحصول على دفاع فعال. إن استخدام التقارير السرية لتعديل الأحكام بعد صدورها يُعتبر انتهاكاً صارخاً لهذه المبادئ.
ويرى خبراء قانونيون أن هذه الخطوة لا تمس فقط حقوق الأسرى الفلسطينيين، بل تضعف أيضاً النظام القضائي الإسرائيلي نفسه من خلال إخضاعه لاعتبارات سياسية وأمنية غير شفافة. وهذا من شأنه أن يخلق نظاماً قضائياً موازياً يعمل خارج القواعد الإجرائية المتعارف عليها، ويزيد من انعدام الثقة في نزاهة الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية.
التداعيات المحتملة والسياق السياسي
يأتي هذا التطور في ظل مناخ سياسي متوتر، حيث يشكل ملف الأسرى نقطة محورية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتنظر الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى الأسرى باعتبارهم ورقة ضغط أمنية، وتسعى باستمرار إلى سن قوانين وتشريعات تحد من حقوقهم. وفي حال إقرار هذا المقترح، فإنه قد يفتح الباب أمام مراجعة أحكام آلاف الأسرى بناءً على تقديرات سياسية وأمنية متغيرة، مما يزيد من معاناتهم ويبقي مصيرهم معلقاً بشكل دائم. كما يُخشى أن يؤدي هذا الإجراء إلى تصعيد التوتر داخل السجون الإسرائيلية وفي الأراضي الفلسطينية بشكل عام، حيث يحظى الأسرى بمكانة رمزية كبيرة.





