منتخب هايتي يصنع التاريخ ويتأهل للمونديال بمدرب لم تطأ قدماه أرض البلاد
في إنجاز وُصف بالمعجزة الكروية، تمكن منتخب هايتي لكرة القدم من حجز مقعده في نهائيات كأس العالم 2026 للمرة الثانية في تاريخه، وذلك بعد فوزه الحاسم على منتخب نيكاراغوا بنتيجة هدفين دون رد في الساعات الأخيرة. وما يزيد هذا الإنجاز التاريخي فرادة هو أن الفريق حققه تحت قيادة مدربه الفني الذي لم يزر البلاد قط، مكتفياً بإدارة شؤون الفريق وتوجيه اللاعبين عن بُعد بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في هايتي.

خلفية الإنجاز في ظل الأزمات
يأتي هذا التأهل في وقت تمر فيه هايتي بواحدة من أحلك فتراتها، حيث تعصف بالبلاد أزمة سياسية وأمنية وإنسانية خانقة. فمنذ سنوات، تفاقمت سيطرة العصابات المسلحة على العاصمة بورت أو برانس وأجزاء واسعة من البلاد، مما أدى إلى شلل شبه تام في مؤسسات الدولة وتوقف مظاهر الحياة الطبيعية، بما في ذلك النشاط الرياضي المحلي. وفي ظل هذا الواقع الصعب، شكلت رحلة المنتخب الوطني تحدياً هائلاً، حيث واجه اللاعبون صعوبات لوجستية وأمنية كبيرة للتجمع وخوض المعسكرات التدريبية والمباريات الرسمية، التي أُقيم معظمها خارج الديار في ملاعب محايدة.
قيادة فنية فريدة من نوعها
أمام استحالة ضمان سلامة المدرب الأجنبي وطاقمه الفني على الأراضي الهايتية، اتخذ الاتحاد المحلي لكرة القدم قراراً جريئاً بالاعتماد على نموذج تدريبي هجين. فقد تم التعاقد مع المدرب الفرنسي سيباستيان مينيه، الذي قبل التحدي مشترطاً إدارة الفريق بشكل كامل عن بُعد. واعتمد مينيه على التكنولوجيا الحديثة لتنفيذ خططه التكتيكية، حيث كان يعقد اجتماعات يومية مع اللاعبين والجهاز الفني المساعد الموجود على الأرض عبر تقنيات الفيديو، ويقوم بتحليل أداء الخصوم والمباريات وإرسال التعليمات المفصلة إلكترونياً. كما استعان بطاقم محلي لتطبيق تدريباته على أرض الملعب، مما شكل حالة نادرة في عالم كرة القدم على مستوى المنتخبات الوطنية.
تفاصيل المباراة الحاسمة
جرت المباراة الفاصلة في أجواء مشحونة على ملعب محايد، ودخلها منتخب هايتي وهو يدرك أن الفوز هو السبيل الوحيد لتحقيق حلم المونديال. وقدّم اللاعبون أداءً بطولياً عكس إصرارهم على إسعاد شعبهم. افتتح المهاجم فرانزدي بييروت التسجيل في الشوط الأول بضربة رأسية محكمة، قبل أن يضيف زميله دوكينز نازون الهدف الثاني في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة ليؤمن انتصاراً تاريخياً أشعل فرحة عارمة بين الجماهير الهايتية القليلة التي تمكنت من الحضور وفي أوساط المهاجرين حول العالم.
أصداء وتأثيرات التأهل التاريخي
تجاوز هذا الفوز كونه مجرد نتيجة رياضية، ليتحول إلى حدث وطني بامتياز ورمز للصمود والأمل. فقد منح التأهل إلى كأس العالم الشعب الهايتي فرصة نادرة للفرح والاحتفال في ظل المعاناة اليومية، وأعاد توحيدهم خلف راية المنتخب. ويرى المراقبون أن هذا الإنجاز قد يكون له تأثير معنوي إيجابي كبير، حيث يمثل قصة نجاح ملهمة تؤكد أن الإرادة والتصميم يمكن أن يتغلبا على أصعب الظروف. ومن المتوقع أن يُشكل هذا التأهل دفعة قوية لكرة القدم في هايتي، ويلفت أنظار العالم إلى مواهبها الكروية وقدرتها على تحقيق المستحيل.





