مهرجان القاهرة يكشف النقاب عن أفضل 25 فيلماً مصرياً في 25 عاماً: جدل فني وثقافي
أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في مطلع الشهر الجاري، عن قائمة اختياراته لأفضل 25 فيلماً مصرياً تم إنتاجها وعرضها خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تحديداً بين عامي 2001 و2025. جاء هذا الإعلان كجزء من الاستعدادات للدورة المرتقبة للمهرجان، وكمبادرة للاحتفاء بمرور مئة عام على تأسيس الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبريسي). وقد أثارت هذه القائمة، التي تم وضعها بالتعاون مع فيبريسي وجمعية نقاد السينما المصريين، موجة واسعة من النقاشات الحادة والجدل الثقافي والفني عبر مختلف الأوساط السينمائية والنقدية والجمهور على حد سواء.

السياق والخلفية
تندرج هذه المبادرة ضمن استراتيجية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لتعزيز الحوار حول تاريخ السينما المصرية وإنجازاتها في الألفية الجديدة. الهدف المعلن من وراء تشكيل هذه القائمة لم يكن مجرد تحديد أفضل الأعمال، بل كان يهدف إلى تحفيز النقد والتحليل العميق لمسيرة السينما المحلية خلال فترة زمنية حيوية شهدت تحولات كبيرة على الصعيدين الفني والصناعي. يُعد اختيار هذه الفترة (2001-2025) مهماً، حيث تمثل ربع قرن من التطورات التي شملت ظهور أجيال جديدة من المخرجين والممثلين، وتبني تقنيات إنتاجية حديثة، وتغيرات في أنماط السرد والتناول للموضوعات الاجتماعية والسياسية.
التعاون مع الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبريسي) وجمعية نقاد السينما المصريين يضفي شرعية نقدية ومهنية على هذه القائمة. يُعرف فيبريسي بدوره البارز في دعم السينما الجادة والنقد السينمائي المستنير عالمياً، مما يجعل من مشاركته دليلاً على الأهمية التي يوليها المهرجان لتقديم رؤية نقدية متعمقة. يأتي هذا التضافر في الجهود لتقديم رؤية بانورامية لما قدمته السينما المصرية في هذه الحقبة، مع التركيز على الأعمال التي تركت بصمة فنية أو نقدية أو جماهيرية.
غالباً ما تثير قوائم “الأفضل” جدلاً في الأوساط الفنية، كونها تتضمن بالضرورة عملية اختيار واستبعاد تعكس رؤى ووجهات نظر محددة. ولكن هذه القائمة تحديداً، في سياق المهرجان، كان الهدف منها تجاوز مجرد التقييم السطحي إلى فتح ملفات نقاشية حول معايير النجاح الفني، والتأثير الثقافي، والقدرة على الصمود أمام اختبار الزمن، وربما إعادة اكتشاف أعمال قد لا تكون حظيت بالتقدير الكافي وقت عرضها.
أبرز التطورات وردود الفعل
منذ لحظة إعلان القائمة، شهدت المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي نقاشات محمومة حول الأفلام المختارة. بينما رحب البعض بالمبادرة باعتبارها خطوة إيجابية لتسليط الضوء على إنجازات السينما المصرية المعاصرة، انتقدها آخرون بشدة، مشيرين إلى ما اعتبروه إغفالاً لأعمال سينمائية بارزة، أو تضميناً لأفلام لم ترتقِ في نظرهم إلى مستوى “الأفضلية”.
- خلاف حول الاختيارات: تركز جزء كبير من الجدل حول الأفلام التي تم استبعادها أو تضمينها. اعتبر بعض النقاد والجمهور أن القائمة لم تكن شاملة بما يكفي لتمثيل تنوع السينما المصرية في تلك الفترة، وأنها ربما أهملت بعض الأعمال التي تحظى بشعبية جماهيرية واسعة أو تقدير نقدي راسخ. على الجانب الآخر، دافع مؤيدو القائمة عن التنوع في الاختيارات، مشيرين إلى أن القائمة تعكس محاولة لتقدير أعمال متنوعة من حيث الأساليب والموضوعات، وليس فقط تلك التي حققت نجاحاً تجارياً هائلاً.
- تساؤلات حول المنهجية: طرحت تساؤلات حول المعايير الدقيقة التي اعتمدتها اللجان المشاركة في وضع القائمة. هل تم التركيز على القيمة الفنية البحتة، أم على التأثير الاجتماعي، أم على التجريب السينمائي؟ يرى بعض المعترضين أن المنهجية لم تكن شفافة بما يكفي، بينما أكد المنظمون أن العملية كانت محكومة بمعايير نقدية صارمة، وأن المشاركين هم من أبرز نقاد السينما في مصر والمنطقة.
- صراع الأجيال ووجهات النظر: كشفت النقاشات عن تباينات في وجهات النظر بين الأجيال المختلفة من النقاد والجمهور. ففي حين قد يميل جيل معين إلى تقدير أفلام ذات سمات فنية معينة، قد يرى جيل آخر أن أفلاماً حديثة أكثر تمثيلاً للتطورات الراهنة. هذا التباين هو جزء طبيعي من أي عملية تقييم فني ويضيف عمقاً للجدل القائم.
وقد سارع ممثلو المهرجان وجمعية النقاد إلى توضيح أن الهدف من القائمة ليس فرض رأي واحد، بل هو إطلاق شرارة للنقاش البناء حول مستقبل وماضي السينما المصرية. وأكدوا أن أي قائمة من هذا النوع هي بطبيعتها عرضة للتأويل والجدل، وهو ما يثري المشهد الثقافي.
أهمية القائمة وتأثيرها
على الرغم من الجدل الدائر، لا يمكن إنكار الأهمية الثقافية والفنية الكبيرة لهذه القائمة. فهي تمثل محاولة جادة لتوثيق وتحليل حقبة مهمة في تاريخ السينما المصرية، وتوفر مرجعاً نقدياً قد تستفيد منه الأجيال القادمة من صناع السينما والباحثين.
- تعزيز الحوار النقدي: الأثر الأبرز لهذه المبادرة هو أنها نجحت بامتياز في إشعال حوار نقدي واسع حول السينما المصرية. هذا الحوار ضروري لتطور الفن، حيث يدفع إلى إعادة التفكير في المعايير الجمالية، ويشجع على تحليل عميق للأعمال الفنية بعيداً عن مجرد الاستهلاك السريع.
- إبراز قيمة السينما كفن: تساهم هذه القوائم في تأكيد مكانة السينما كشكل فني وثقافي يستحق الدراسة والتحليل والتقدير، وليس مجرد وسيلة للترفيه. إنها تضع أعمالاً سينمائية في سياق تاريخي وفني، مما يعزز من قيمتها كجزء من التراث الثقافي.
- تأثير على الصناعة: قد يكون للقائمة تأثير غير مباشر على صناعة السينما، حيث قد تشجع صناع الأفلام على التفكير في الإرث الفني لأعمالهم، وتلهمهم لإنتاج أعمال ذات قيمة فنية عالية تدوم وتناقش. كما أنها قد توجه اهتمام الجمهور والنقاد نحو أفلام ربما لم تحظ بالاهتمام الكافي عند عرضها الأول.
- دعم المهرجان: يعزز هذا الجدل مكانة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كمنصة ليس فقط لعرض الأفلام، بل أيضاً لقيادة الحوار الثقافي والفني حول السينما، مما يرسخ دوره كجهة فاعلة في المشهد السينمائي الإقليمي والدولي.
في الختام، تبقى قائمة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لأفضل 25 فيلماً مصرياً في الربع الأول من القرن الـ21 حدثاً مهماً في الأوساط الثقافية والفنية. فبقدر ما أثارت من جدل، بقدر ما نجحت في تنشيط النقاش حول مسيرة السينما المصرية المعاصرة، مؤكدة على أن الفن الحقيقي غالباً ما يكمن في قدرته على إثارة التفكير وإطلاق شرارة الحوار المستمر حول معاني الإبداع والتأثير.





