مهرجان فن العرائس يختتم دورته الأولى: رحلة من التشكيل إلى الخيال
اختتم مهرجان القاهرة لمسرح العرائس مؤخراً فعاليات دورته الأولى بنجاح لافت، وذلك بعد خمسة أسابيع متواصلة من الأنشطة المتنوعة التي استعرضت الإمكانات الفنية والإبداعية الواسعة لفن العرائس. جاءت هذه الدورة، التي حملت شعار "مائدة فن العرائس" في بعض فعالياتها الرئيسية، لتسلط الضوء على رحلة هذا الفن الأصيل من مراحله التكوينية الأولى وصولاً إلى آفاقه التعبيرية اللامحدودة، مجسدة بذلك مفهوم "من التشكيل إلى الخيال".
الخلفية والأهداف
يُعد مسرح العرائس جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي والفني المصري والعربي، حيث يمتلك تاريخاً طويلاً من العروض التي أسرت الجماهير من مختلف الأعمار. انطلاقاً من هذه الأهمية، جاءت فكرة تنظيم مهرجان متخصص يهدف إلى إعادة إحياء هذا الفن العريق، وتطويره ليواكب المتغيرات الفنية الحديثة، بالإضافة إلى جذب جيل جديد من الفنانين والجمهور على حد سواء. تمثلت الأهداف الرئيسية للمهرجان في خلق منصة تفاعلية تجمع بين خبراء هذا المجال والشباب الطموح، وتبادل الخبرات، وتشجيع الابتكار في صناعة وتقديم العروض العرائسية، إلى جانب تعزيز دور مسرح العرائس كوسيلة فعالة للتعبير الثقافي والتعليم.
على مدار خمسة أسابيع، استقبل المهرجان باقة واسعة من الفعاليات، شملت عروضاً مسرحية متميزة قدمتها فرق محلية ودولية، وورش عمل تدريبية مكثفة غطت جوانب مختلفة من فن العرائس، مثل صناعة الدمى، وتحريكها، وكتابة النصوص الخاصة بها. كما تضمنت الفعاليات ندوات فكرية وجلسات حوارية معمقة ناقشت التحديات والفرص المتاحة أمام هذا الفن في العصر الراهن، ودوره في المجتمع.
فعاليات الختام وموضوعاتها
شهدت الأيام الأخيرة للمهرجان تتويجاً لجهوده، حيث اختتمت فعالياته بسلسلة من موائد الحوار المستديرة، كان أبرزها تلك التي حملت عنوان "فن العرائس كجسر بين الإبداع التشكيلي والجاذبية الجماهيرية". ركزت هذه المائدة الحوارية على العلاقة الجدلية بين الجانب البصري والجمالي في تصميم العرائس، والذي يندرج تحت مفهوم "التشكيل"، وبين قدرة هذه العروض على التواصل الفعال مع الجمهور والتأثير فيهم، وهو ما يمثل "الجاذبية الجماهيرية".
ناقش المشاركون كيف يمكن لفنان العرائس أن يمزج بين حساسية النحات أو الرسام في تشكيل الدمية، وبين مهارات الممثل والمخرج في بث الروح فيها وجعلها تتفاعل مع النص والجمهور. كما استعرضوا آليات تحويل الأفكار المجردة والمواد الخام إلى شخصيات حية قادرة على سرد القصص والتعبير عن المشاعر، ما يمثل جوهر الرحلة "من التشكيل إلى الخيال" التي تبناها المهرجان ككل. هذه الجلسات الختامية أكدت على أن العرائس ليست مجرد ألعاب، بل هي كائنات فنية معقدة تتطلب إبداعاً متعدد الأوجه، وتلعب دوراً حيوياً في ربط الفنون التشكيلية بالأداء المسرحي، وتقديم تجربة فنية متكاملة وممتعة للجمهور.
الأهمية والتأثير
لقد ترك المهرجان بصمة واضحة على الساحة الثقافية والفنية، ويمكن تلخيص أهميته وتأثيره في النقاط التالية:
- إحياء التراث الفني: ساهم المهرجان في إعادة تسليط الضوء على فن العرائس كشكل فني أصيل وضروري في المشهد الثقافي المعاصر، مما يعزز من قيمته التاريخية والفنية.
 - الدمج الفني: نجح المهرجان في إبراز الروابط المتعددة بين فن العرائس والفنون التشكيلية والمسرحية، مؤكداً على قدرته على دمج مختلف التخصصات الفنية لخلق عمل إبداعي فريد.
 - تفاعل الجمهور: عملت الأنشطة المتنوعة على جذب شرائح واسعة من الجمهور، بمن فيهم الأطفال والشباب، مما ساعد على تنمية الوعي بأهمية هذا الفن وقدرته على الترفيه والتثقيف.
 - دعم المواهب: وفر المهرجان منصة حيوية للفنانين الصاعدين وطلاب الفنون لتقديم أعمالهم، وتلقي التوجيه من الخبراء، مما يسهم في بناء جيل جديد من محترفي فن العرائس.
 - التأثير التعليمي والثقافي: من خلال الندوات وورش العمل، قدم المهرجان محتوى تعليمياً غنياً حول تاريخ فن العرائس، وتقنياته، ودوره في معالجة القضايا الاجتماعية، مما يعزز من دوره الثقافي والتثقيفي.
 
وبهذا، فإن مهرجان القاهرة لمسرح العرائس، في دورته الأولى، لم يكن مجرد سلسلة من العروض، بل كان حدثاً ثقافياً متكاملاً أرسى دعائم قوية لمستقبل فن العرائس في المنطقة، وفتح آفاقاً جديدة للإبداع والتفاعل الفني.




