مواجهة بحرية وتحليق قاذفات: تصعيد عسكري في بحر الصين الجنوبي يسبق قمة ترامب وشي
في أواخر عام 2018، وقبل أسابيع من القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، شهد بحر الصين الجنوبي تصعيداً ملحوظاً في التوترات عقب حادثتين عسكريتين بارزتين بين القوات الأمريكية والصينية. سلطت هذه الأحداث الضوء على العلاقات الهشة بين القوتين العالميتين، والتي كانت متأزمة بالفعل بسبب حرب تجارية متصاعدة.

مواجهة بحرية على وشك الاصطدام
وقع الحادث الأخطر في 30 سبتمبر 2018، عندما كانت المدمرة الأمريكية يو إس إس ديكاتور تنفذ عملية "حرية الملاحة" (FONOP). أبحرت السفينة الحربية ضمن مسافة 12 ميلاً بحرياً من شعاب غافن وجونسون المرجانية في جزر سبراتلي، وهي منطقة تطالب بها الصين وتتنازع عليها دول أخرى. رداً على ذلك، قامت مدمرة صينية من طراز لانژو بمناورة وصفت بـ"العدوانية" لاعتراض السفينة الأمريكية.
وفقاً لبيان الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ، نفذت السفينة الصينية ما وصف بأنه "مناورة غير آمنة وغير مهنية"، حيث اقتربت إلى مسافة خطيرة للغاية بلغت 45 ياردة (حوالي 41 متراً) من مقدمة المدمرة الأمريكية. أجبر هذا الاقتراب الشديد السفينة الأمريكية على القيام بمناورة مراوغة لتجنب الاصطدام. وقد أدان المسؤولون الأمريكيون هذه الخطوة، مؤكدين أنها تنتهك الأعراف البحرية الدولية.
في المقابل، دافعت وزارة الدفاع الصينية عن تصرفات سفينتها، واتهمت الولايات المتحدة بتهديد سيادتها ومصالحها الأمنية. وأكدت بكين أن سفينتها حذرت السفينة الأمريكية لمغادرة المياه وأنها اتخذت الإجراءات الدفاعية اللازمة للرد على هذا "الاستفزاز".
تحليق القاذفات الاستراتيجية الأمريكية
تزامناً مع الحادثة البحرية، نفذ سلاح الجو الأمريكي عدة طلعات جوية لقاذفات B-52 ستراتوفورتريس الاستراتيجية فوق بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. وفي حين وصفت الولايات المتحدة هذه الطلعات بأنها مهام تدريبية روتينية في الأجواء الدولية، اعتبرتها بكين استفزازاً متعمداً واستعراضاً للقوة يهدف إلى تحدي مطالباتها الإقليمية.
كانت هذه التحليقات جزءاً من مهمة البنتاغون المعروفة بـ "وجود القاذفات المستمر"، والتي عملت كرسالة واضحة حول التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على حرية الوصول إلى المنطقة ودعم حلفائها، مما زاد من حدة استياء الحكومة الصينية التي عارضت باستمرار مثل هذه الأنشطة العسكرية بالقرب من مجالها الحيوي.
سياق النزاع في بحر الصين الجنوبي
يعد بحر الصين الجنوبي أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها إثارة للجدل. تطالب الصين بالسيادة على البحر بأكمله تقريباً من خلال ما يعرف بـ "خط القطاعات التسعة"، الذي يتداخل مع المناطق الاقتصادية الخالصة للعديد من الدول المجاورة، بما في ذلك فيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي. عززت الصين في السنوات الأخيرة مطالباتها بقوة عبر بناء جزر اصطناعية وتجهيزها ببنى تحتية عسكرية متطورة، مثل مدارج الطائرات وأنظمة الرادار ومنصات الصواريخ. من جانبها، لا تتخذ الولايات المتحدة موقفاً من النزاعات الإقليمية، لكنها تصر على حقها في الإبحار والتحليق في أي مكان يسمح به القانون الدولي، وتنفذ عمليات حرية الملاحة بانتظام لتحدي ما تعتبره مطالبات بحرية مفرطة.
التأثير على العلاقات الأمريكية-الصينية
أدت هذه الحوادث العسكرية المتتالية إلى تدهور الأجواء بشكل كبير قبيل الاجتماع المقرر بين ترامب وشي على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس في ديسمبر 2018. ومن بين التداعيات المباشرة إلغاء المحادثات الأمنية السنوية رفيعة المستوى التي كان من المقرر عقدها في بكين بين وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس ماتيس ونظيره الصيني. أظهرت هذه الأحداث خطراً متزايداً من سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى صراع عرضي بين جيشي البلدين، وأضافت بعداً أمنياً متقلباً إلى العلاقة المتوترة بالفعل، والتي كانت تهيمن عليها حرب تجارية قائمة على فرض رسوم جمركية متبادلة بمليارات الدولارات.





