واشنطن تدعو آسيان لتبني موقف موحد وصارم ضد تصرفات بكين في بحر الصين الجنوبي
في تصريحات بارزة صدرت خلال فعاليات حوار شانغريلا الأمني في سنغافورة مطلع شهر يونيو 2024، وجه وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، دعوة مباشرة لدول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) لتعزيز وحدتها واتخاذ موقف حازم لمواجهة ما وصفه بـ "الإكراه والترهيب" الذي تمارسه الصين في بحر الصين الجنوبي. تأتي هذه الدعوة في وقت تتصاعد فيه التوترات بشكل ملحوظ في هذا الممر المائي الاستراتيجي، مما يسلط الضوء على عمق التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

خلفية النزاع وتصاعد التوترات
يعد بحر الصين الجنوبي أحد أكثر الممرات المائية أهمية ونزاعاً في العالم، حيث تمر عبره تجارة دولية تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، كما يعتقد أنه غني بموارد الطاقة والأسماك. تدعي الصين السيادة على ما يقرب من 90% من هذا البحر استناداً إلى ما يُعرف بـ "خط الجُزُر التسعة"، وهو ادعاء ترفضه دول أخرى مطلة على البحر مثل الفلبين، فيتنام، ماليزيا، وبروناي، بالإضافة إلى تايوان. في عام 2016، أصدرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي حكماً تاريخياً أبطل مزاعم الصين الواسعة، إلا أن بكين رفضت الاعتراف بالقرار واستمرت في تعزيز وجودها العسكري وبناء جزر اصطناعية في المناطق المتنازع عليها.
شهدت الأشهر الأخيرة تصعيداً خطيراً، خاصة بين الصين والفلبين، حيث قامت سفن خفر السواحل الصينية باستخدام خراطيم المياه ومناورات عدوانية لعرقلة سفن الإمداد الفلبينية المتجهة إلى موقعها العسكري في منطقة "سكند توماس شول". وقد أثارت هذه الحوادث قلقاً دولياً واسعاً، ودفعت الولايات المتحدة إلى تأكيد التزامها الصارم بمعاهدة الدفاع المشترك مع مانيلا.
التصريحات الأمريكية ورؤية "المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح"
خلال كلمته، شدد الوزير أوستن على أن استراتيجية الولايات المتحدة لا تهدف إلى فرض إرادتها أو إنشاء كتلة مناهضة للصين، بل تسعى إلى حماية المبادئ الأساسية التي تضمن الأمن والازدهار الإقليمي، وعلى رأسها حرية الملاحة والتحليق، واحترام القانون الدولي. وأكد أن أمن الولايات المتحدة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن حلفائها في آسيا، مشيراً إلى أن الإجراءات الصينية تهدد سيادة الدول المجاورة وتزعزع استقرار المنطقة.
أبرزت تصريحات أوستن النقاط التالية:
- الدعوة إلى حل النزاعات سلمياً من خلال الحوار والدبلوماسية، وليس عبر الترهيب.
 - التأكيد على أن الولايات المتحدة ستواصل دعم شركائها في المنطقة لتعزيز قدراتهم البحرية والدفاعية.
 - الإشارة إلى أن رؤية "المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح" هي رؤية مشتركة لدول المنطقة التي تؤمن بنظام قائم على القواعد.
 
على هامش المنتدى، التقى أوستن بنظيره الصيني، الأميرال دونغ جون، في أول اجتماع مباشر بين وزيري دفاع البلدين منذ فترة طويلة. ورغم أن الاجتماع وُصف بأنه خطوة إيجابية لإدارة الخلافات ومنع سوء التقدير، إلا أنه كشف أيضاً عن فجوة كبيرة في المواقف حول القضايا الرئيسية مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي.
الموقف الصيني وردود الفعل
من جانبه، دافع وزير الدفاع الصيني، دونغ جون، بقوة عن سياسات بلاده، مؤكداً أن تصرفات الصين في بحر الصين الجنوبي تهدف إلى حماية سيادتها الإقليمية وحقوقها البحرية. واتهم دونغ الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون المنطقة، وتشكيل "تكتلات حصرية" لتقويض الأمن الإقليمي واستهداف الصين. وحذر من أن بكين لن تتسامح مع أي محاولات لاستخدام حرية الملاحة كذريعة لانتهاك سيادتها.
تعكس هذه المواقف المتباينة التحدي الكبير الذي يواجه دول آسيان، التي تجد نفسها عالقة بين قوتين عظميين. فمن ناحية، تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لمعظم هذه الدول، ومن ناحية أخرى، تنظر الكثير منها إلى الولايات المتحدة كضامن أمني حيوي في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة. ويبقى التحدي الأكبر أمام آسيان هو الحفاظ على وحدتها ومركزيتها في هيكل الأمن الإقليمي، وتجنب الانجرار إلى صراع قد يفرض عليها الاختيار بين واشنطن وبكين.





