ورقة عمل تدعو لتسخير تكنولوجيا الفضاء لمواجهة التغير المناخي في الأردن
في خطوة تهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية لمواجهة التحديات البيئية الملحة، دعت ورقة عمل حديثة، قُدمت من قبل نخبة من الخبراء والمتخصصين، إلى إنشاء هيئة موحدة للفضاء في المملكة الأردنية الهاشمية. جاء هذا الطرح البارز خلال ملتقى «تكنولوجيا الفضاء والتطبيقات الذكية: حلول مبتكرة لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي في الأردن»، الذي انعقد مؤخراً. تهدف التوصية الأساسية إلى تنسيق الجهود الوطنية في مجال تكنولوجيا الفضاء وتطبيقاتها المتقدمة، وذلك لتقديم حلول مستدامة وفعالة في مواجهة تداعيات التغير المناخي وضمان الأمن الغذائي للمملكة.

خلفية وتحديات التغير المناخي في الأردن
يُعد الأردن من أكثر دول المنطقة تأثراً بتغير المناخ، حيث تلوح في الأفق تحديات بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة. تشمل هذه التحديات، على سبيل المثال لا الحصر، الارتفاع المطرد في درجات الحرارة، وتراجع معدلات هطول الأمطار، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة ندرة المياه التي تُعتبر إحدى أبرز العقبات التنموية في البلاد. إضافة إلى ذلك، تشهد المملكة تزايداً في وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الجفاف الطويلة والسيول المفاجئة، والتي تهدد الأمن الغذائي عبر التأثير السلبي على القطاع الزراعي وتدهور جودة الأراضي الصالحة للزراعة. هذه العوامل تستدعي حلولاً مبتكرة وغير تقليدية لتعزيز مرونة الأردن وقدرته على التكيف مع هذه التحولات العالمية.
دور تكنولوجيا الفضاء في مواجهة الأزمات
تمتلك تكنولوجيا الفضاء إمكانيات هائلة لتقديم إسهامات جوهرية في مجال إدارة التغير المناخي والتصدي لآثاره. توفر الأقمار الصناعية بيانات دقيقة وشاملة حول مجموعة واسعة من المتغيرات البيئية، مثل درجات حرارة الأرض والمسطحات المائية، وأنماط هطول الأمطار، ومستويات الرطوبة في التربة، والتغيرات في الغطاء النباتي والمساحات الخضراء. كما تُمكن هذه التقنيات من رصد التصحر، وتقييم الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية، ومراقبة الموارد المائية. تتيح تطبيقات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية (GIS)، بالاقتران مع الذكاء الاصطناعي، إنشاء أنظمة إنذار مبكر فعالة، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، وتوجيه السياسات الزراعية والبيئية بناءً على معلومات دقيقة ومحدثة.
ملتقى «تكنولوجيا الفضاء والتطبيقات الذكية»
جمع الملتقى الذي عُقد مؤخراً نخبة من صانعي القرار، والباحثين، والأكاديميين، وممثلي القطاع الخاص، بهدف استكشاف سبل دمج تكنولوجيا الفضاء المتقدمة والتطبيقات الذكية في صياغة استراتيجيات وطنية لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي. وقد تم خلال الملتقى مناقشة العديد من المحاور الهامة، من بينها:
- الاستشعار عن بعد: استغلال صور الأقمار الصناعية عالية الدقة لرصد التغيرات البيئية والتنبؤ بها، وتحليل استخدامات الأراضي والموارد المائية.
- تطبيقات الذكاء الاصطناعي: كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الفضائية الضخمة لتقديم رؤى قابلة للتنفيذ تدعم اتخاذ القرار.
- نظم المعلومات الجغرافية: دورها في إدارة الأراضي والمياه وتخطيط البنية التحتية الزراعية بشكل مستدام.
- أنظمة الملاحة وتحديد المواقع العالمية: استخداماتها في الزراعة الدقيقة وإدارة الكوارث.
أكد المشاركون على أن الاستفادة الكاملة من هذه التقنيات تتطلب إطاراً مؤسسياً قوياً وتنسيقاً وطنياً فعالاً.
التوصية المحورية: إنشاء هيئة فضاء موحدة
شكلت الدعوة إلى إنشاء هيئة موحدة للفضاء في الأردن التوصية الأكثر أهمية التي انبثقت عن ورقة العمل. وقد أوضحت الورقة أن الجهود الحالية المتعلقة بالفضاء في الأردن قد تكون متفرقة بين عدة جهات حكومية وأكاديمية، مما يحد من فعاليتها ويقلل من الأثر المرجو. وتهدف هذه الهيئة المقترحة إلى أن تكون المظلة الوطنية التي تجمع وتنسق كافة الأنشطة المتعلقة بالفضاء، بما يضمن تكاملها وتوجيهها نحو الأهداف الاستراتيجية للدولة. ستكون مهام هذه الهيئة متعددة، ومن أبرزها:
- وضع سياسات واستراتيجيات وطنية شاملة لتطوير قطاع الفضاء وتطبيقاته.
- تشجيع البحث والتطوير في مجالات علوم الفضاء والتكنولوجيا المرتبطة بها.
- تمثيل الأردن في المحافل الفضائية الإقليمية والدولية وبناء الشراكات.
- إدارة وتوزيع البيانات الفضائية على الجهات المستفيدة في مختلف القطاعات.
- بناء القدرات الوطنية وتأهيل الكوادر المتخصصة في مجالات الفضاء.
الأهمية والتطلعات المستقبلية
يُعد إنشاء هيئة فضاء وطنية موحدة خطوة استراتيجية حاسمة للأردن. فمن شأنها أن تُمكّن المملكة من تسخير إمكانات تكنولوجيا الفضاء بشكل كامل لمعالجة قضايا حيوية مثل ندرة المياه، وتحسين الإنتاج الزراعي، وتعزيز الاستجابة للكوارث الطبيعية، ودعم التنمية المستدامة بشكل عام. كما أن هذه المبادرة لا تقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب اقتصادية واجتماعية، عبر خلق فرص عمل جديدة في قطاعات متقدمة، وتشجيع الابتكار، وجذب الاستثمارات، ورفع مستوى البحث العلمي في المملكة. الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية يتطلب التزاماً حكومياً راسخاً، واستثماراً مستداماً في البنية التحتية والكوادر البشرية، وتعاوناً وثيقاً بين جميع الأطراف المعنية لضمان تحويل هذه التطلعات إلى واقع ملموس يعود بالنفع على الأردن ومستقبله.





