وزيرا دفاع أمريكا والصين يلتقيان في ماليزيا: تفاصيل المباحثات الحساسة
عقد وزير الدفاع الأمريكي، ونظيره الصيني، لقاءً ثنائيًا هامًا في ماليزيا أواخر مايو 2024، وذلك على هامش اجتماع وزراء دفاع دول جنوب شرق آسيا (آسيان). يُعد هذا الاجتماع خطوةً محورية نحو استعادة قنوات الاتصال العسكرية رفيعة المستوى بين القوتين العظميين، في ظل توترات جيوسياسية متصاعدة. وقد ركزت المباحثات، التي وصفها الجانبان بالصريحة والعميقة، على مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية الحساسة التي تؤثر على الاستقرار العالمي.

تأتي هذه المحادثات في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الصينية تقلبات كبيرة، حيث يسعى كلا البلدين إلى إدارة التنافس المعقد وتجنب سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى صراع. وقد شدد الجانب الأمريكي على أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة ومنتظمة بين جيشي البلدين لمنع التصعيد، بينما أكد الجانب الصيني على ضرورة احترام المصالح الجوهرية لبعضهما البعض.
سياق اللقاء وأهميته الجيوسياسية
تعتبر ماليزيا، كونها دولة عضو في آسيان ومنبرًا محايدًا، موقعًا استراتيجيًا لاستضافة مثل هذه الحوارات الحساسة. لطالما دعت دول المنطقة إلى تخفيف حدة التوتر بين واشنطن وبكين، مدركةً أن أي تصعيد قد تكون له تداعيات وخيمة على اقتصاد وأمن المنطقة بأسرها. وقد أشار محللون إلى أن مجرد انعقاد هذا اللقاء يمثل إنجازًا دبلوماسيًا بحد ذاته، نظرًا للانقطاع شبه الكامل في الاتصالات العسكرية رفيعة المستوى الذي شهدته الفترة الماضية.
تاريخيًا، سعت الولايات المتحدة والصين إلى إرساء آليات للحوار الأمني، ولكن هذه الجهود غالبًا ما تعثرت بسبب الخلافات حول قضايا مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. يُنظر إلى استئناف هذه المباحثات كجزء من جهود أوسع تبذلها كلتا الدولتين لإرساء "حواجز حماية" في علاقتهما، مع الاعتراف بأن التنافس أمر لا مفر منه، ولكن يجب إدارته بمسؤولية لتجنب الصدام. اللقاء وفر فرصة لكلا الجانبين لطرح مخاوفهما مباشرة وتبديد أي سوء فهم محتمل، وهو أمر حيوي في بيئة أمنية عالمية معقدة.
أبرز نقاط النقاش
تناول الاجتماع العديد من القضايا المحورية التي تشكل نقاط خلاف رئيسية بين البلدين. يمكن تلخيص أبرزها في النقاط التالية:
- قضية تايوان: جدد وزير الدفاع الأمريكي تأكيد التزام واشنطن بسياسة "صين واحدة"، لكنه في الوقت ذاته شدد على أهمية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وأعرب عن معارضته لأي تغيير أحادي الجانب للوضع الراهن بالقوة. كما أكد على دعم الولايات المتحدة لقدرة تايوان على الدفاع عن نفسها وفقًا لـ قانون علاقات تايوان. من جانبه، أكد الوزير الصيني أن قضية تايوان هي "خط أحمر" يمس سيادة الصين ووحدة أراضيها، محذرًا من أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، ومجددًا موقف بكين القائل بأن إعادة التوحيد أمر حتمي، وكرر أن أي تحركات نحو استقلال تايوان لن يتم التسامح معها.
- بحر الصين الجنوبي: أعرب الجانب الأمريكي عن قلقه العميق إزاء الأنشطة الصينية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك بناء الجزر الاصطناعية وتصرفات خفر السواحل الصيني تجاه السفن الفلبينية والدول الأخرى في المنطقة. وأكدت واشنطن على أهمية حرية الملاحة والتحليق وفقًا للقانون الدولي، وعلى دعمها للحلفاء والشركاء في مواجهة الإكراه. في المقابل، شددت بكين على سيادتها التاريخية على غالبية بحر الصين الجنوبي، ورفضت ما وصفته بـ "التدخلات الخارجية"، واتهمت الولايات المتحدة بتصعيد التوترات من خلال تعزيز وجودها العسكري في المنطقة والقيام بمناورات مشتركة مع حلفائها.
- قنوات الاتصال العسكرية: اتفق الجانبان على أهمية استمرار الحوار العسكري لتقليل مخاطر سوء التقدير. ودعا الوزير الأمريكي إلى إعادة تفعيل جميع خطوط الاتصال العسكرية بشكل كامل، بما في ذلك القنوات التشغيلية. وتناولت المحادثات إمكانية إنشاء آليات عمل ومجموعات عمل مشتركة لمعالجة قضايا محددة تتعلق بالسلامة البحرية والجوية، وتبادل المعلومات لتعزيز الشفافية والثقة. وقد أشار الطرفان إلى أن التفاهم المتبادل حول قواعد الاشتباك يمكن أن يقلل من احتمالات الاحتكاك غير المقصود.
- الأمن الإقليمي والدولي: تطرق الوزيران أيضًا إلى التحديات الأمنية الأوسع في المنطقة، مثل برنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي، وسبل التعاون في مكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود الوطنية. كما ناقشا أهمية المساهمة في استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأكدت ماليزيا ودول آسيان الأخرى على أهمية التعاون في هذه المجالات.
دلالات الاجتماع والتوقعات المستقبلية
يشير هذا اللقاء إلى محاولة متبادلة لإدارة التنافس العسكري وتجنب المواجهات المحتملة، بدلاً من السعي لتحقيق انفراجات كبرى. ففي حين لم تسفر المباحثات عن إعلانات دراماتيكية أو حلول فورية للخلافات العميقة، إلا أن مجرد انعقادها يعد مؤشرًا إيجابيًا على أن كلا الجانبين يدركان المخاطر الكبيرة لغياب الاتصال. يُعد الحوار فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة، حتى لو كانت هذه الثقة هشة في الوقت الحالي.
تتوقع التحليلات أن تبقى التوترات بين الولايات المتحدة والصين سمة أساسية في العلاقات الدولية، لكن مثل هذه اللقاءات تمثل وسيلة حيوية لإدارة هذه التوترات ومنعها من الانزلاق إلى صراع مفتوح. يبقى التحدي الأكبر هو تحويل التعهدات بالاتصال إلى آليات دائمة وفعالة يمكنها أن تصمد أمام التقلبات السياسية. ومن المرجح أن نشهد المزيد من هذه اللقاءات الدورية على هامش المنتديات الإقليمية، مما يؤكد على أهمية الدبلوماسية الوقائية في العلاقات المعقدة بين القوى العظمى.





