وكالة الطاقة الدولية تؤكد: وفرة المعروض النفطي تخفف من وطأة العقوبات على الأسواق
في تحليل حديث للسوق العالمي، أفادت وكالة الطاقة الدولية (IEA) بأن وجود طاقة إنتاجية فائضة كبيرة لدى عدد من الدول المنتجة للنفط يلعب دوراً حاسماً في الحد من تأثير العقوبات المفروضة على كبار المصدرين، مثل روسيا، ويساهم في استقرار الأسعار. جاء هذا التقييم في وقت يتسم بالتوترات الجيوسياسية المتزايدة التي تهدد إمدادات الطاقة العالمية.
خلفية السوق في ظل التحديات الجيوسياسية
يشهد سوق النفط العالمي فترة من التقلبات مدفوعة بعوامل متعددة. فمن ناحية، أدت العقوبات الغربية الصارمة على قطاع الطاقة الروسي رداً على حربها في أوكرانيا، بالإضافة إلى القيود المفروضة على صادرات إيران وفنزويلا، إلى إزالة كميات كبيرة من النفط الخام من الأسواق الرسمية. ومن ناحية أخرى، لا يزال الطلب العالمي على النفط قوياً، مدعوماً بالانتعاش الاقتصادي المستمر في العديد من المناطق، وإن كان بوتيرة أبطأ مما كان متوقعاً.
في هذا السياق، كانت هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي نقص المعروض إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، مما قد يفاقم الضغوط التضخمية العالمية ويعرقل النمو الاقتصادي. ومع ذلك، تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية الأخيرة إلى أن السوق وجد توازناً نسبياً بفضل وجود ما يُعرف بـ "الطاقة الإنتاجية الفائضة".
دور الطاقة الفائضة كصمام أمان
تُعرَّف الطاقة الإنتاجية الفائضة بأنها حجم الإنتاج الذي يمكن لدولة منتجة إضافته إلى السوق في غضون فترة زمنية قصيرة (عادة 30 إلى 90 يوماً) والحفاظ عليه لفترة ممتدة. وتتركز هذه القدرة بشكل أساسي لدى عدد قليل من أعضاء منظمة أوبك+، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبحسب تقديرات وكالة الطاقة، يوفر هذا المخزون الاحتياطي وسادة أمان حيوية للسوق العالمي.
أوضح المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، في تصريحات صدرت مؤخراً، أن هذه الوفرة في الإمدادات القابلة للتفعيل السريع هي السبب الرئيسي وراء عدم وصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية على الرغم من استمرار العقوبات والاضطرابات. تعمل هذه الطاقة الفائضة على:
- امتصاص الصدمات الناتجة عن انقطاع الإمدادات غير المتوقعة.
- الحد من المضاربات في الأسواق من خلال طمأنة المتعاملين بوجود إمدادات كافية.
- منح الحكومات وصناع السياسات مرونة أكبر في التعامل مع الأزمات الجيوسياسية دون التسبب في أزمات طاقة حادة.
توقعات وتحديات مستقبلية
على الرغم من هذا الاستقرار النسبي، حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن الاعتماد على الطاقة الفائضة ليس حلاً دائماً. فاستمرار تآكل هذه القدرة الاحتياطية دون استثمارات جديدة في الإنتاج قد يجعل السوق أكثر عرضة للصدمات في المستقبل. كما أن أي تصعيد كبير في الصراعات الحالية أو نشوب أزمات جديدة في مناطق منتجة للنفط قد يستنزف هذا الفائض بسرعة.
يراقب المحللون عن كثب قرارات مجموعة أوبك+ بشأن مستويات الإنتاج، حيث يمكن لأي تغيير في سياساتها أن يؤثر بشكل مباشر على حجم الطاقة الفائضة المتاحة. بالإضافة إلى ذلك، يظل مسار الطلب في الاقتصادات الكبرى، خاصة الصين، عاملاً حاسماً في تحديد توازن السوق على المدى القصير والمتوسط.
الأهمية للاقتصاد العالمي
يعد تقييم وكالة الطاقة الدولية مهماً لأنه يوفر رؤية متوازنة للأسواق والمستهلكين. ففي حين أن المخاطر الجيوسياسية لا تزال قائمة، فإن وجود فائض إنتاجي يقلل من احتمالية حدوث قفزات سعرية كارثية كتلك التي شهدها العالم في أزمات طاقة سابقة. ويساعد هذا الاستقرار البنوك المركزية في معركتها ضد التضخم ويدعم النشاط الاقتصادي العالمي من خلال الحفاظ على تكاليف طاقة يمكن التنبؤ بها نسبياً.





