دار الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول شرعية الاحتفال بموالد الأولياء وآل البيت

أصدرت دار الإفتاء المصرية توضيحًا شاملًا حول الحكم الشرعي للاحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين، وذلك في أعقاب الجدل الذي يتجدد سنويًا وثار مؤخرًا بالتزامن مع إحياء مولد السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا. وقد جاء الرد عبر الشيخ الدكتور محمد كمال، أمين الفتوى بالدار، الذي أكد على أن هذه الاحتفالات جائزة شرعًا ومستحبة ما دامت تلتزم بالضوابط الشرعية وتخلو من المخالفات.

خلفية الجدل المتكرر

تُعد موالد الأولياء، وخاصة مولد السيد البدوي، من أبرز المناسبات الدينية والشعبية في مصر، حيث تجذب مئات الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء البلاد. وتتضمن هذه الفعاليات عادةً حلقات الذكر، وتلاوة القرآن، والمدائح النبوية، بالإضافة إلى توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين. إلا أن هذه الموالد تثير جدلًا واسعًا في الأوساط الدينية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، إذ يرى بعض التيارات، خاصة السلفية، أنها تمثل "بدعة" لم تكن موجودة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

تتمحور الانتقادات الموجهة لهذه الاحتفالات حول بعض الممارسات التي قد تصاحبها، مثل التمسح بالأضرحة طلبًا للبركة، أو بعض الطقوس التي يعتبرها المنتقدون من أشكال الشرك الأصغر، بالإضافة إلى المظاهر غير المنضبطة مثل الاختلاط المفرط أو انتشار بعض السلوكيات التي تتعارض مع التعاليم الإسلامية. هذا الجدل يضع عامة الناس في حيرة من أمرهم حول الموقف الشرعي الصحيح تجاه هذه المناسبات المتجذرة في الثقافة المصرية.

توضيح وحسم من دار الإفتاء

في بيانها الأخير، سعت دار الإفتاء المصرية إلى وضع إطار شرعي واضح يفصل بين أصل الاحتفال والممارسات الفردية الخاطئة. وأوضح الدكتور محمد كمال أن أصل إقامة هذه الموالد هو أمر مشروع ومندوب إليه في الشرع، مستندًا إلى أن الغاية منها هي إظهار المحبة لآل البيت والأولياء الصالحين، والتي تعد جزءًا من محبة الله ورسوله.

واستندت الفتوى إلى عدة مبادئ وأدلة شرعية لدعم موقفها، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

الاحتفالات هي وسيلة للتذكير بسير الصالحين للاقتداء بهم، وهو أمر يحث عليه القرآن والسنة.
تشتمل هذه المناسبات على أعمال صالحة وقربات إلى الله، مثل ذكر الله، وقراءة القرآن، وإطعام الطعام، وهي جميعها أفعال مستحبة في الإسلام.
مبدأ "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وبما أن إظهار المحبة لآل البيت والصالحين أمر مطلوب، فإن كل وسيلة مشروعة لتحقيق ذلك، كالتجمع لذكرهم، تكون مشروعة أيضًا.
شددت الدار على ضرورة التمييز بين "أصل المشروعية" و"الممارسات الخاطئة". فوجود بعض المخالفات من قبل بعض المشاركين لا يبرر تحريم المناسبة بأكملها، بل الواجب هو إنكار هذه المخالفات وتوجيه الناس إلى الصواب.

وأكد أمين الفتوى أن حب أولياء الله الصالحين هو عبادة يُتقرب بها إلى الله، وأن الاحتفال بهم هو تعبير عن هذا الحب، شريطة أن يتم ذلك في إطار منضبط لا يخالف تعاليم الدين الحنيف.

الأهمية والسياق العام للفتوى

تأتي هذه الفتوى في سياق جهود المؤسسات الدينية الرسمية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء، لترسيخ المنهج الوسطي وتقديم إجابات واضحة للقضايا التي تثير انقسامًا في المجتمع. وتعتبر هذه الفتوى تأكيدًا على تبني الدولة للرؤية الدينية التقليدية التي تمثلها هذه المؤسسات، والتي ترى في التصوف والموالد جزءًا لا يتجزأ من التراث الديني والثقافي المصري.

كما يهدف هذا التوضيح إلى مواجهة الخطابات المتشددة التي تنتشر عبر الإنترنت وتصف هذه الممارسات الشعبية بالشرك والبدعة، مما يساهم في حماية النسيج الاجتماعي والثقافي من الأفكار المتطرفة. وبذلك، تقدم دار الإفتاء إرشادًا دينيًا يوازن بين الحفاظ على التقاليد الشعبية والالتزام بالضوابط الشرعية، موجهةً رسالة للعامة بأن المشاركة في الموالد جائزة مع ضرورة تجنب أي سلوكيات محرمة.