حريق هونغ كونغ المهول: سقالات الخيزران تحوّل الأبراج السكنية إلى فخ ناري

شهدت مدينة هونغ كونغ يوم الخميس الماضي، 27 نوفمبر/تشرين الثاني، إحدى أسوأ الكوارث النارية التي تضربها منذ عقود، حيث اندلع حريق هائل في مجمع "وانغ فوك كورت" السكني بمقاطعة تاي بو. أعلنت السلطات ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 65 قتيلاً، مع استمرار فرق الإنقاذ في جهودها المضنية للسيطرة على النيران والبحث عن أكثر من 250 مفقودًا يُعتقد أنهم محاصرون داخل الأبنية المتضررة. وقد كشفت التحقيقات الأولية أن سقالات الخيزران المنتشرة حول الأبراج السكنية، والتي تُستخدم عادة في أعمال الصيانة والتجديد، لعبت دوراً كارثياً في تحويل هذه المجمعات إلى مصيدة نارية قاتلة.

خلفية الحادث وتفاصيله الأولية

مجمع "وانغ فوك كورت" هو مشروع سكني ضخم يتكون من ثمانية أبنية شاهقة، تضم ما يقرب من ألفي وحدة سكنية. بدأ الحريق في ساعة متأخرة من الليل، وانتشر بسرعة مذهلة ليطال عدة طوابق دفعة واحدة، محولاً واجهات الأبنية إلى جحيم من اللهب والدخان الكثيف. هرعت فرق الإطفاء والإنقاذ إلى الموقع فور تلقيها البلاغات، لكن شدة الحريق وحجمه شكلا تحدياً هائلاً. وقد واجهت الفرق صعوبات بالغة في الوصول إلى المحاصرين وإخماد النيران المتصاعدة، خاصة مع انتشار ألسنة اللهب عبر الهياكل الخارجية للأبراج.

تسببت الكارثة في موجة من الصدمة والحزن في المدينة، حيث تجمعت عائلات الضحايا والمفقودين في مراكز الإيواء المؤقتة، بانتظار أخبار عن أحبائهم. وقد أعلنت الحكومة المحلية حالة الطوارئ، ووعدت بتقديم الدعم الكامل للمتضررين والناجين، وفتحت تحقيقاً شاملاً لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا الحريق المروع.

سقالات الخيزران: فخ ناري متصاعد

تُعد سقالات الخيزران جزءًا لا يتجزأ من مشهد البناء والتجديد في هونغ كونغ، وهي طريقة بناء تقليدية تُعرف بفعاليتها وتكلفتها المنخفضة. ومع ذلك، تكشف هذه المأساة عن الجانب المظلم لهذه المواد الطبيعية عند استخدامها في بيئات حضرية عالية الكثافة. ففي حالة حريق "وانغ فوك كورت"، يبدو أن السقالات عملت كـ "وقود إضافي" ومسار سريع لانتشار النيران.

قابلية الاشتعال العالية: الخيزران مادة عضوية سريعة الاشتعال، وبمجرد أن تلتقط النيران، فإنها تحترق بشدة وتطلق كميات هائلة من الدخان السام.
سرعة الانتشار: تشكل السقالات شبكة معقدة حول المبنى، مما يوفر مسارًا متواصلاً للنار للانتقال عمودياً وأفقياً بسرعة فائقة، متجاوزة أنظمة مكافحة الحرائق الداخلية للمبنى.
عرقلة طرق الهروب: يمكن أن تسد السقالات الشرفات والنوافذ، مما يحول دون هروب السكان عبرها ويجعلها غير قابلة للاستخدام كمخارج طوارئ بديلة.
إعاقة جهود الإطفاء: تعيق هذه الهياكل الكثيفة عمل رجال الإطفاء، حيث تصعب عليهم الوصول إلى بؤر الحريق وتعيق استخدام معدات الإطفاء الخارجية مثل الرافعات وخراطيم المياه ذات الضغط العالي.

وقد أثارت هذه القضية تساؤلات جدية حول معايير السلامة المتبعة في تركيب وصيانة سقالات الخيزران، وضرورة وجود بروتوكولات أكثر صرامة للتعامل مع مخاطر الحريق المرتبطة بها، خاصة في المباني السكنية المكتظة.

جهود الإنقاذ والتحديات

تواصل فرق الإنقاذ، بما في ذلك رجال الإطفاء والشرطة والمسعفون، العمل على مدار الساعة في موقع الكارثة. كان التحدي الأكبر يتمثل في إخماد النيران المشتعلة على ارتفاعات عالية، وداخل الأجزاء المتفحمة من الأبراج، والتي أصبحت غير مستقرة هيكلياً. وقد استخدمت السلطات طائرات بدون طيار لتقييم الأضرار والبحث عن علامات حياة في الأماكن التي يصعب الوصول إليها.

أكدت إدارة الإطفاء أن الأولوية القصوى هي البحث عن المفقودين وإنقاذ أي ناجين محتملين، تليها عمليات تبريد الموقع لضمان سلامة فرق العمل. وقد أشارت التقارير الأولية إلى أن بعض الضحايا لقوا حتفهم بسبب استنشاق الدخان الكثيف، بينما آخرون بسبب الحروق المباشرة أو الإصابات الناجمة عن الانهيارات الجزئية. وقد تم تجهيز المستشفيات لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين، الذين يعاني العديد منهم من حروق خطيرة ومشاكل تنفسية.

تداعيات الكارثة وأسئلة حول السلامة

تُعد هذه الفاجعة بمثابة دعوة صريحة لإعادة تقييم شاملة لمعايير السلامة من الحرائق في هونغ كونغ، خاصة فيما يتعلق باستخدام مواد البناء المؤقتة. يُتوقع أن يُركز التحقيق على ما إذا كانت هناك انتهاكات لأنظمة السلامة، وما إذا كانت مواد البناء الأخرى، بخلاف الخيزران، قد ساهمت في انتشار الحريق. كما ستُطرح أسئلة حول فعالية أنظمة إنذار الحريق ومخارج الطوارئ داخل المباني.

من المرجح أن تؤدي هذه الكارثة إلى مراجعة شاملة لسياسات البناء واللوائح الحكومية المتعلقة بالسقالات وأعمال التجديد في المناطق الحضرية الكثيفة. قد تشمل هذه المراجعات فرض استخدام مواد غير قابلة للاشتعال للسقالات، أو تطوير تقنيات جديدة للحد من مخاطر الحريق، أو حتى تحديث خطط الاستجابة للطوارئ في المباني الشاهقة. تظل القضية المحورية هي تحقيق التوازن بين كفاءة التكلفة والتقاليد، وسلامة الأرواح والممتلكات.

دروس مستفادة وتطلعات مستقبلية

رغم هول المأساة، فإن الدروس المستفادة من حريق "وانغ فوك كورت" ستكون حاسمة لمستقبل السلامة في هونغ كونغ. من المرجح أن نشهد دعوات متزايدة لتطبيق لوائح بناء أكثر صرامة، وربما التحول تدريجياً نحو استخدام سقالات معدنية أكثر أمانًا، على الرغم من تكلفتها الأعلى. كما سيتم التركيز على برامج توعية السكان بإجراءات السلامة من الحرائق، وتدريبهم على كيفية التصرف في حالات الطوارئ.

على المدى الطويل، قد تدفع هذه الكارثة إلى ابتكارات في مجال تقنيات مكافحة الحرائق وتصميم المباني المقاومة لها، ليس فقط في هونغ كونغ ولكن في المدن الكبرى الأخرى التي تعتمد على ممارسات بناء مماثلة. يبقى الأمل معلقًا على أن تؤدي هذه الخسارة المأساوية في الأرواح إلى تغييرات إيجابية ودائمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل.