السودان: الحكومة تؤكد عدم ثقتها في الدعم السريع وتشدد على سيادة الدولة في أي سلام قادم

جددت الحكومة السودانية التأكيد على موقفها الثابت تجاه الصراع الدائر في البلاد، حيث صرح وزير الإعلام المكلف والناطق الرسمي باسم الحكومة، جراهام عبد القادر، بأن الثقة في قوات الدعم السريع منعدمة تمامًا، وأن أي عملية سلام مستقبلية يجب أن تضمن بشكل قاطع سيادة الدولة ووحدة أراضيها ومؤسساتها العسكرية. تعكس هذه التصريحات، التي صدرت في الفترة الأخيرة، تعميق الأزمة بين الطرفين المتحاربين وتوضح الشروط الأساسية التي تضعها الحكومة لإنهاء القتال المستمر منذ شهور.

أسباب انعدام الثقة

أرجعت الحكومة موقفها إلى ما وصفته بالانتهاكات المتكررة والمنهجية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع منذ بداية النزاع. ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن الدعم السريع استغل اتفاقيات الهدنة السابقة، وتحديدًا تلك التي تم التوصل إليها في منبر جدة، لإعادة التموضع والتسلح وشن هجمات جديدة بدلاً من الالتزام بوقف إطلاق النار. تتهم الحكومة هذه القوات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تشمل:

الاستيلاء على منازل المدنيين وممتلكاتهم بالقوة.
احتلال المستشفيات والمرافق الخدمية الحيوية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
شن هجمات عشوائية على المناطق السكنية، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من المدنيين.
ممارسة أعمال عنف واسعة النطاق في مناطق سيطرتها، خاصة في دارفور والخرطوم.

تعتبر الحكومة أن هذه الممارسات لا تدل على أي نية حقيقية للسلام، بل تظهر رغبة في فرض واقع جديد بالقوة العسكرية، وهو ما يجعل التفاوض معها دون ضمانات قوية أمرًا غير مجدٍ.

شروط الحكومة لعملية السلام

في ضوء هذا الموقف، حددت الحكومة السودانية مجموعة من المبادئ التي تعتبرها غير قابلة للتفاوض لإنهاء الحرب. يتمثل الشرط الأساسي في الحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها، وفي مقدمتها وجود جيش وطني واحد وموحد. وبناءً على ذلك، تشدد الحكومة على ضرورة خروج قوات الدعم السريع من جميع المدن والأحياء السكنية التي سيطرت عليها كخطوة أولى لبناء الثقة. كما تؤكد أن أي حل سياسي يجب أن يفضي إلى تفكيك الهياكل العسكرية الموازية ودمج عناصرها المؤهلة في الجيش السوداني وفقًا لترتيبات أمنية محددة، وليس التفاوض معها ككيان ند للدولة.

خلفية الصراع ومنبر جدة

اندلع الصراع المسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو في أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين القوتين العسكريتين اللتين كانتا شريكتين في السلطة. وسرعان ما تحولت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم إلى حرب شاملة امتدت إلى أجزاء واسعة من البلاد. وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أطلقت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة مباحثات في جدة، والتي ركزت في البداية على التوصل إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، إلا أن هذه الاتفاقيات تعرضت لانتهاكات متكررة من الطرفين، مما أدى إلى تعليق المباحثات عدة مرات دون تحقيق تقدم جوهري.

التداعيات والوضع الراهن

أدت هذه المواقف المتصلبة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، حيث نزح الملايين من ديارهم، ويعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع انهيار شبه كامل للقطاع الصحي. وتؤكد تصريحات وزير الإعلام أن الحكومة تنظر إلى المعركة الحالية باعتبارها حربًا وجودية للدفاع عن كيان الدولة ضد ما تصفه بـ "تمرد ميليشيا"، وليس مجرد صراع على السلطة. ومع استمرار العمليات العسكرية، يبقى الأفق السياسي مسدودًا في ظل غياب أي بوادر لتقديم تنازلات حقيقية من أي من الطرفين.