وزير الثقافة يشيد بالفن العربي: حي، متحرر، يواكب العصر ويحفظ التراث

في الخامس عشر من أكتوبر الجاري، أدلى وزير الثقافة بتصريحات لافتة أكد فيها أن الفن العربي، بما يمتلكه من حيوية متجددة وروح متحررة، قادرٌ على مواكبة تحديات العصر ومستجداته، دون أن يتخلى عن دوره الأساسي في الحفاظ على التراث الثقافي الغني للمنطقة. جاءت هذه التصريحات خلال فعاليات المنتدى الثقافي العربي السنوي، حيث شدد الوزير على أهمية دعم الإبداع الفني كركيزة أساسية للتنمية المجتمعية وتعزيز الهوية الوطنية في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة.

وأوضح الوزير أن وصف الفن العربي بـ "الحي" يعكس قدرته المستمرة على التفاعل مع الواقع المعاصر، والتعبير عن قضايا الإنسان وهمومه وآماله، مستلهمًا من بيئته ومحيطه. هذه الحيوية تتجلى في التجارب الفنية الجديدة التي تتجاوز القوالب التقليدية وتستخدم وسائل تعبير مبتكرة، من الفنون التشكيلية المعاصرة إلى السينما والموسيقى التجريبية. أما "متحرر"، فيشير إلى انفتاح الفن العربي على آفاق الإبداع اللامحدودة، بعيدًا عن القيود التي قد تعيق التعبير الفني الصادق. هذا التحرر لا يعني الانفلات من القيم، بل هو دعوة لتوسيع مساحة حرية التعبير المسؤولة التي تمكن الفنان من طرح رؤاه النقدية والجمالية بجرأة وشجاعة، مما يثري المشهد الثقافي ويحفز الحوار الفكري.

وفي سياق مواكبة العصر، أكد الوزير أن الفن العربي ليس بمعزل عن التطورات التكنولوجية والفكرية العالمية. بل هو جزء فاعل في هذه المنظومة، يستوعب التقنيات الحديثة مثل الفن الرقمي والواقع الافتراضي، ويستخدمها كأدوات جديدة لإيصال رسائله وتوسيع جمهوره. هذه المواكبة لا تعني ذوبان الفن العربي في التيارات الغربية، بل هي عملية تفاعل انتقائي تهدف إلى استخلاص أفضل الممارسات والأدوات وتكييفها بما يخدم الرؤية الفنية العربية الأصيلة، مع الحفاظ على بصمته الثقافية الفريدة. كما يتجلى ذلك في قدرة الفنانين العرب على المشاركة في المحافل الدولية وعرض أعمالهم التي تعكس المزج بين الأصالة والمعاصرة.

وبالرغم من التركيز على المعاصرة والتحرر، لم يغفل وزير الثقافة الجانب المحوري للحفاظ على التراث. فقد شدد على أن الفن العربي المعاصر يجب أن يكون بمثابة جسر يربط الأجيال الجديدة بإرثها الثقافي العريق. هذا لا يعني بالضرورة تقليد الأشكال الفنية القديمة، بل إعادة قراءتها وتفسيرها بروح معاصرة، واستلهام عناصرها الجمالية والفلسفية لإنتاج أعمال فنية جديدة تحمل روح الأصالة. يمكن أن يتجلى ذلك في استخدام الزخارف الإسلامية، الخط العربي، الحكايات الشعبية، أو الألحان التقليدية في أعمال فنية حديثة، مما يضمن استمرارية التراث كعنصر حيوي وملهم، وليس مجرد قطعة أثرية جامدة.

الخلفية والتحديات

يمتلك الفن العربي تاريخًا عريقًا يمتد لقرون، شهد خلالها ازدهارًا كبيرًا في مجالات مثل الخط العربي، العمارة، الموسيقى، الشعر، والعديد من الفنون البصرية. لقد كان الفن دائمًا مرآة تعكس الحضارة العربية وتطورها، وحاملاً لرسائلها وقيمها. ومع ذلك، واجه الفن العربي في العقود الأخيرة تحديات جمة، منها محدودية التمويل والدعم للمؤسسات الفنية والفنانين الأفراد، بالإضافة إلى نقص البنية التحتية اللازمة لإنتاج وعرض الفن الحديث. كما أن التغيرات الاجتماعية والسياسية، وتأثير العولمة الثقافية، أثرت على مساحات التعبير الفني، مما دفع العديد من الفنانين للبحث عن منابر جديدة أو التكيف مع ظروف مختلفة. النقاش حول دور الفن في المجتمع، والتوازن بين الفردية الفنية والمسؤولية الاجتماعية، لا يزال قائمًا ومحوريًا في المشهد الثقافي العربي.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى رؤية ثقافية واضحة تدعم الفن وتحتضن تنوعه، وتوفر البيئة الملائمة لازدهاره. فكثيرًا ما كان يُنظر إلى الفن، في بعض المراحل، كرفاهية لا كضرورة، أو كان محاطًا بسوء فهم لدوره المحوري في بناء الوعي وتعزيز الهوية. لذا، فإن تأكيد الوزير على حيوية الفن وتحرره ومواكبته للعصر يمثل تحولًا مهمًا في الخطاب الرسمي، ويشير إلى إدراك عميق لأهمية القطاع الثقافي ككل.

التطورات والجهود الحكومية

تأتي تصريحات وزير الثقافة في وقت تشهد فيه العديد من الدول العربية اهتمامًا متزايدًا بالقطاع الثقافي، إدراكًا لأهميته في رؤى التنمية الشاملة. فكثير من الحكومات تعمل على إطلاق مبادرات وبرامج لدعم الفنانين، وتوفير منح للمبدعين، وتسهيل مشاركتهم في المعارض والمهرجانات المحلية والدولية. وتشمل هذه الجهود إنشاء مدن ومراكز ثقافية حديثة، وتجديد المتاحف والمعارض الفنية، وتفعيل دور المؤسسات الأكاديمية في تدريس الفنون بمختلف تخصصاتها.

كما تزداد أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم المشاريع الفنية، واستقطاب الاستثمارات في الصناعات الإبداعية. إن مثل هذه المبادرات تهدف إلى بناء منظومة ثقافية متكاملة توفر بيئة حاضنة للفن، وتحفز على الإبداع والابتكار، مع التركيز على نشر الوعي بأهمية التراث وتوثيقه وحمايته من الاندثار، وذلك عبر استخدام التقنيات الحديثة في الأرشفة والرقمنة. وقد تكون تصريحات الوزير بمثابة إشارة إلى خطط مستقبلية أو استراتيجيات قيد التطوير لتعزيز هذا التوجه.

الأهمية والتأثير

تحمل كلمات وزير الثقافة أهمية بالغة على عدة مستويات. فهي أولاً، رسالة طمأنة وتقدير للفنانين والمثقفين العرب، تؤكد على دعم الدولة لدورهم الحيوي في المجتمع وتشجعهم على الاستمرار في مسيرة الإبداع والابتكار. وثانيًا، هي إعلان عن رؤية ثقافية تتبنى الانفتاح والتجديد، وتكسر الصورة النمطية التي قد تربط الفن العربي بالماضي فقط، مؤكدة على قدرته على التطور والتكيف دون فقدان هويته.

علاوة على ذلك، تسهم هذه التصريحات في تعزيز مكانة الثقافة والفن كأدوات فعالة للقوة الناعمة، قادرة على بناء جسور التواصل والحوار بين الحضارات، وتقديم صورة حضارية وإيجابية للمنطقة على الساحة الدولية. إن الفن، بصفته لغة عالمية، يستطيع تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، ويعبر عن القيم الإنسانية المشتركة. وبالتالي، فإن تشجيع الفن الحي والمتحرر الذي يحافظ على التراث ويواكب العصر، يعد استثمارًا في المستقبل، ليس فقط على الصعيد الثقافي، بل على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضًا، بما يساهم في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وتسامحًا وتطورًا.