تكريم بيروت لأيقونات الفن العربي: من أم كلثوم إلى فيروز وداليدا
في مبادرة ثقافية بارزة تعكس مكانتها كعاصمة للفن والإبداع، احتفت العاصمة اللبنانية بيروت مؤخرًا، خلال الفترة الممتدة من أواخر عام 2023 إلى أوائل عام 2024، بإرث ثلاث من ألمع نجمات الفن العربي: كوكب الشرق أم كلثوم، الفنانة العالمية داليدا، وسفيرة لبنان إلى النجوم فيروز. وقد جاء هذا التكريم ليسلط الضوء على الإسهامات الخالدة لهؤلاء الأيقونات في تشكيل الوجدان الثقافي والفني للمنطقة.

لطالما كانت بيروت منارة ثقافية في العالم العربي، ومركزًا للإشعاع الفني الذي استقطب كبار المبدعين من كافة أنحاء المنطقة. هذه الاحتفالية ليست مجرد استعراض لأسماء لامعة، بل هي تأكيد على دور المدينة المستمر في الحفاظ على التراث الفني الغني وتجديد العلاقة بين الأجيال الحالية والماضي الفني العريق. تهدف هذه المبادرة إلى إبراز القيمة الفنية والتاريخية لهؤلاء النجمات، وتعزيز الهوية الثقافية العربية المشتركة من خلال فنونهن التي لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم.
خلفية وأهمية الحدث
يأتي هذا التكريم في سياق جهود بيروت المتواصلة لترميم نسيجها الثقافي بعد سنوات من التحديات، مؤكدة على أن الفن يبقى جسرًا للتواصل والصمود. تُعد كل من أم كلثوم وداليدا وفيروز رموزًا فنية تجاوزت حدود الزمان والمكان، وتركن بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى والغناء العربي والعالمي. وتمثل كل واحدة منهن حقبة ومدرسة فنية مختلفة، مما يعكس الثراء والتنوع الذي يميز الفن العربي.
- أم كلثوم: تُعرف بـ كوكب الشرق، وهي أيقونة الطرب الأصيل التي أثرت المكتبة الموسيقية العربية بمئات الأغاني الخالدة. صوتها القوي وكلماتها العميقة جعلتها رمزًا للغناء العربي الأصيل، وتجاوز تأثيرها حدود مصر ليمتد إلى كل بيت عربي.
- داليدا: فنانة عالمية ذات أصول مصرية وإيطالية، أتقنت الغناء بلغات متعددة (العربية، الفرنسية، الإيطالية، الإنجليزية). أسلوبها المتفرد وحضورها المسرحي الجذاب جعلاها نجمة ساطعة في سماء الفن العالمي، وكانت جسرًا ثقافيًا بين الشرق والغرب.
- فيروز: الملقبة بـ سفيرة لبنان إلى النجوم، تُعد صوت لبنان العذب الذي ارتبط بالوطن والجمال والأمل. أغانيها جزء لا يتجزأ من الهوية اللبنانية والعربية، وتُعتبر رمزًا للصمود والعراقة الفنية التي لا تزال تلهم الملايين.
تفاصيل وفعاليات التكريم
تضمنت الاحتفالية مجموعة من الفعاليات المتنوعة التي استضافتها مراكز ثقافية بارزة في بيروت، بهدف تقديم تجربة شاملة للجمهور. لم يقتصر الأمر على مجرد استعراض لأعمالهن، بل امتد ليشمل الغوص في قصصهن وتأثيرهن الثقافي العميق. من أبرز هذه الفعاليات:
- معرض للصور والوثائق النادرة: عرضت صورًا لم تُنشر من قبل، ومخطوطات لأغانيهن، ورسائل شخصية، وملابس مسرحية، مما أتاح للجمهور فرصة فريدة للاطلاع على جوانب غير معروفة من حياتهن ومسيرتهن الفنية.
- أمسيات موسيقية وغنائية: أحياها فنانون لبنانيون وعرب معاصرون، قدموا خلالها إعادة إحياء لأشهر أغاني النجمات بتوزيعات موسيقية جديدة مع الحفاظ على الروح الأصلية للألحان، إلى جانب عروض كلاسيكية لأعمالهن الخالدة.
- عروض أفلام وثائقية وندوات حوارية: عُرضت أفلام وثائقية تسرد مسيرة كل فنانة وتأثيرها. كما نُظمت ندوات بمشاركة نقاد فنيين ومؤرخين وباحثين في الموسيقى العربية، تناولت أبعاد إسهاماتهن الفنية والاجتماعية، وكيف استطعن تجاوز التحديات في مجتمع محافظ أحيانًا.
الآثار والانطباعات
لقي هذا التكريم صدى واسعًا وتفاعلًا إيجابيًا كبيرًا من الجمهور اللبناني والعربي، ومن الزوار الأجانب على حد سواء. شهدت الفعاليات حضورًا جماهيريًا كثيفًا، مما يعكس الشوق العميق للفن الأصيل والتقدير العميق للإرث الفني لهذه النجمات. كما حظيت الاحتفالية بتغطية إعلامية واسعة، سلطت الضوء على أهمية الحفاظ على الذاكرة الفنية والتراث الثقافي. وقد أكدت هذه المبادرة مجددًا على مكانة بيروت كمدينة نابضة بالحياة الثقافية، قادرة على استعادة دورها الرائد كمركز إشعاع فني رغم كافة الظروف، وتوجيه رسالة أمل مفادها أن الفن قادر على توحيد الشعوب وتجاوز الحواجز.





