مهرجان الفيوم يستضيف "مال قارون" وينظم نقاشاً حول توظيف الفن في العمل الأهلي

شهدت فعاليات مهرجان الفيوم للثقافة والفنون، الذي أقيم مؤخراً في الفترة من 25 إلى 28 أكتوبر 2023، حدثاً بارزاً جمع بين الفن الهادف والحوار المجتمعي البناء. فقد استضاف المهرجان عرضاً فنياً بعنوان "مال قارون"، والذي لاقى تفاعلاً كبيراً، إلى جانب تنظيم جلسة نقاشية معمقة حول أهمية وسبل توظيف الفن في خدمة العمل الأهلي والمجتمعي. تأتي هذه المبادرة ضمن جهود المهرجان المتواصلة لربط الإبداع بقضايا التنمية وخدمة المجتمع المدني.

تُعد مسرحية "مال قارون" عملاً فنياً فريداً من نوعه، يستلهم أحداثه وشخصياته من القصة التراثية المعروفة لقارون، ليقدم رؤية معاصرة حول مفاهيم الجشع، الطمع، وفساد الروح الإنسانية جراء الانغماس في الماديات. المسرحية، التي أخرجها (فنان خيالي) أحمد كمال وكتبها (مؤلف خيالي) منى حسين، استخدمت تقنيات مسرحية مبتكرة ومؤثرات بصرية وصوتية لتعزيز رسالتها الأخلاقية والاجتماعية. وقد تميز الأداء التمثيلي لفرق الشباب المشاركة بالعمق والاحترافية، مما أضفى على العرض بعداً إنسانياً قوياً يدفع الجمهور للتفكير في القيم المجتمعية وأثر الثروة والسلطة على السلوك البشري. وقد نُظّم العرض في مسرح قصر ثقافة الفيوم، وشهد إقبالاً جماهيرياً واسعاً من مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك المثقفون، الشباب، وطلبة الجامعات.

نقاش مستفيض حول الفن في العمل الأهلي

بالتوازي مع العرض الفني، نظم المهرجان جلسة حوارية بعنوان "الفن كأداة للتنمية المجتمعية: فرص وتحديات توظيف الفن في العمل الأهلي". هدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الإمكانات الهائلة للفنون المختلفة في دعم قضايا المجتمع المدني وتحقيق التنمية المستدامة. شارك في الجلسة نخبة من الفنانين، الأكاديميين المتخصصين في علم الاجتماع وتنمية المجتمع، وممثلي منظمات المجتمع المدني البارزة.

تطرقت النقاشات إلى عدة محاور رئيسية، منها:

الفن كوسيلة للتوعية: كيفية استخدام المسرح، الموسيقى، الفنون البصرية، والأفلام القصيرة في رفع الوعي حول قضايا مجتمعية حساسة مثل الصحة الإنجابية، محو الأمية، قضايا البيئة، ومكافحة العنف ضد المرأة.
بناء القدرات المجتمعية: استكشاف طرق توظيف الورش الفنية والتدريب على فنون الأداء في تنمية مهارات الشباب والأطفال، وتعزيز قدراتهم على التعبير عن الذات وحل المشكلات بطرق إبداعية.
تعزيز المشاركة المجتمعية: مناقشة دور الفن في تحفيز الأفراد على الانخراط في المبادرات التطوعية ودعم العمل الخيري، وتفعيل دورهم كأعضاء فاعلين في مجتمعاتهم.
التحديات والحلول: بحث أبرز المعوقات التي تواجه دمج الفن في العمل الأهلي، مثل تحديات التمويل، الحاجة إلى تدريب متخصص للفنانين والعاملين في المجال الأهلي، وصعوبة الوصول إلى الشرائح المستهدفة في بعض الأحيان. كما تم اقتراح حلول مبتكرة لهذه التحديات، مثل الشراكات بين القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية.

أكد المتحدثون على أن الفن يمتلك القدرة الفريدة على اختراق الحواجز الثقافية والاجتماعية، والوصول إلى القلوب والعقول بطريقة قد لا تستطيعها الأساليب التقليدية. وقد تم عرض أمثلة ناجحة لمبادرات استخدمت الفن لتحقيق تغيير إيجابي في مجتمعات مختلفة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.

مهرجان الفيوم: منصة للإبداع والتنمية

يُعد مهرجان الفيوم للثقافة والفنون من الفعاليات الهامة التي تسعى جاهدة لدعم الحركة الفنية والثقافية في المحافظة وخارجها. يهدف المهرجان إلى توفير منصة للمواهب الشابة لعرض أعمالها، وتشجيع الحوار الفكري حول مختلف القضايا الفنية والثقافية والمجتمعية. كما يلتزم المهرجان بتعزيز دور الثقافة كجزء أساسي من التنمية الشاملة، من خلال ربط الفن بقضايا المجتمع وتحدياته. يسعى القائمون على المهرجان إلى جعله نقطة التقاء بين الفنانين والجمهور ومنظمات المجتمع المدني، لخلق بيئة محفزة للابتكار والتعاون.

أهمية الفعالية وتأثيرها

تكتسب هذه الفعالية، بجمعها بين عرض "مال قارون" والنقاش حول توظيف الفن في العمل الأهلي، أهمية خاصة لعدة أسباب. أولاً، إنها تسلط الضوء على تزايد الوعي بقوة الفن كأداة فعالة للتغيير الاجتماعي والتوعية، متجاوزاً دوره التقليدي كمجرد ترفيه. ثانياً، تشجع على إقامة شراكات استراتيجية بين الفنانين ومنظمات المجتمع المدني، مما يفتح آفاقاً جديدة للمشاريع المشتركة التي تجمع بين الإبداع والخدمة المجتمعية. ثالثاً، تعزز من دور المهرجانات الثقافية كمساحات للحوار الفكري وتبادل الخبرات حول القضايا الملحة، بدلاً من اقتصارها على الجانب الاحتفالي.

تُشكل هذه المبادرات خطوة مهمة نحو دمج الفن في نسيج العمل التنموي، مؤكدة على أن الفن ليس ترفاً، بل ضرورة حيوية لبناء مجتمعات أكثر وعياً وتفاعلاً وإيجابية. وتأمل الجهات المنظمة أن تلهم هذه الفعالية المزيد من المبادرات المشابهة التي تستفيد من قوة الفن في معالجة التحديات المجتمعية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.