تأكيد من القائد العام للجيش: شروط المفاوضات هي 'الرباعية' نفسها

أدلى القائد العام للجيش السوداني بتصريحات واضحة ومحددة مؤخراً حول الشروط الأساسية التي يجب توافرها للمضي قدماً في أي مفاوضات تهدف إلى إنهاء الصراع الدائر في البلاد. جاءت هذه التصريحات خلال زيارته لتقديم واجب العزاء في مدينة عطبرة، وبحضور لفيف من القيادات العسكرية البارزة، حيث شدد على أن ما يتم طرحه من شروط يتماهى تماماً مع مبدأ "الرباعية" المقترح لحل الأزمة.

خلفية الصراع ومساعي السلام

يمر السودان بفترة عصيبة جراء النزاع المسلح الذي اندلع قبل أشهر، مخلفاً خسائر بشرية ومادية فادحة، ومهدداً النسيج الاجتماعي للبلاد. في ظل هذا الوضع، تتكثف الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج سلمي للأزمة، ووقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وقد شهدت هذه الجهود طرح مبادرات متعددة ومسارات تفاوضية متنوعة، سعت كل منها إلى جمع الأطراف المتحاربة على طاولة الحوار. تأتي أهمية هذه المبادرات من كونها محاولات جادة لإعادة الاستقرار والسيادة للبلاد، وإبعاد شبح التمزق الذي يلوح في الأفق.

لطالما كانت القضايا المحورية المطروحة للنقاش تشمل ترتيبات وقف إطلاق النار، وتأمين الممرات الإنسانية، وصياغة رؤية لمرحلة انتقالية سياسية تضمن مشاركة كافة الأطراف السودانية الفاعلة، وصولاً إلى تأسيس حكم مدني مستدام. إلا أن تباين المواقف وتضارب المصالح بين الأطراف المتصارعة غالباً ما كان يعيق تحقيق اختراقات حقيقية في هذه المساعي.

موقف القائد العام وتأكيداته

في تصريحاته الأخيرة، أكد القائد العام للجيش السوداني بوضوح على أن الشروط التي يطرحها الجيش للمفاوضات ليست جديدة أو غامضة، بل هي متسقة تماماً مع ما يعرف بـ "الرباعية". وقد صرح بأن الجيش "يمضي مع كل من أراد أن يتفاوض معنا بما يصلح حال السودان وينهي هذه الحرب، بصورة تعيد للبلاد كرامتها ووحدتها، وتُبعد عنها كل احتمال للتمزق". هذا التأكيد يشير إلى موقف راسخ ومحدد، مفاده أن أي مسار تفاوضي يجب أن يلتزم بمبادئ معينة، يعتبرها جوهرية لاستعادة استقرار وسيادة الدولة السودانية.

تُظهر هذه التصريحات أن هناك إطاراً محدداً، وهو "الرباعية"، يُعتبر نقطة ارتكاز لا غنى عنها لأي حل سياسي محتمل. ويبدو أن الرسالة موجهة إلى جميع الأطراف المعنية، سواء كانت داخلية أو خارجية، بضرورة الإقرار بهذه الشروط كركيزة أساسية للمضي قدماً، وعدم التردد في قبولها. إن وضوح هذا الموقف قد يهدف إلى تبديد أي لبس أو غموض حول شروط الجيش التفاوضية، مما يمهد الطريق لتحديد مسارات الحوار بشكل أكثر فعالية.

مفهوم "الرباعية" وأهميتها

تشير "الرباعية" في سياق الأزمة السودانية إلى إطار أو مجموعة مبادئ متفق عليها، أو مقترحة من قبل جهة إقليمية أو دولية معنية، تهدف إلى توجيه عملية السلام والمفاوضات. هذه المبادرة، التي قد تكون تضم أربع جهات (دول، منظمات، شخصيات) أو أربع نقاط رئيسية للحل، تركز عادة على عناصر حيوية لإنهاء الصراع وبناء الدولة. على سبيل المثال، قد تشمل:

وقف فوري وشامل لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
تشكيل حكومة مدنية انتقالية ذات صلاحيات واضحة ومقبولة من جميع الأطراف.
إصلاح القطاع الأمني ودمج وتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة وطنية واحدة.
إطلاق عملية سياسية شاملة تضع دستوراً دائماً وتفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة.

يعتبر القائد العام للجيش أن هذه المبادئ، أو ما يعادلها في جوهرها، هي الضامن الوحيد لنجاح أي عملية سلام تعيد للسودان استقراره وكرامته. هذا التأكيد على "الرباعية" كشرط أساسي يعكس على الأرجح قناعة بأن هذا الإطار يوفر خارطة طريق شاملة وواقعية لمعالجة جذور الصراع وتطلعات الشعب السوداني.

التداعيات والآفاق المستقبلية

يحمل تأكيد القائد العام للجيش على هذه الشروط تداعيات كبيرة على مسار المفاوضات المستقبلية. فمن ناحية، يحدد هذا الموقف بوضوح الخطوط الحمراء للجيش ويضع سقفاً لأي تنازلات محتملة. ومن ناحية أخرى، قد يوفر هذا الوضوح إطاراً لتوحيد جهود الوسطاء وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المتفق عليها ضمن "الرباعية".

إن إصرار أحد الأطراف الرئيسية في الصراع على مجموعة محددة من الشروط يمكن أن يكون له تأثير مزدوج: فإما أن يسرع وتيرة المفاوضات من خلال توضيح المسار المطلوب، أو أن يؤدي إلى تعثرها إذا ما كانت الأطراف الأخرى لا تشاطره نفس الرؤية أو تجد صعوبة في قبول هذه الشروط. ومن المهم أن يتم تقييم هذا الموقف في ضوء تطلعات الشعب السوداني، الذي يتوق لإنهاء الحرب واستعادة الأمن والاستقرار وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية. ويترقب المراقبون والمهتمون بالشأن السوداني ما إذا كان هذا الإعلان سيسهم في تقريب وجهات النظر أو يزيد من تعقيدات المشهد التفاوضي.