الكشف عن "شاهين 3": السعودية تطلق أقوى حاسوب عملاق في الشرق الأوسط

في خطوة تعزز مكانتها كمركز إقليمي للابتكار والبحث العلمي، كشفت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مؤخرًا، وتحديدًا في أواخر عام 2023 وبداية عام 2024، عن حاسوبها العملاق الجديد، "شاهين 3". وقد صُمم هذا الجهاز، الذي يُعد الأقوى من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع شركة هيوليت باكارد إنتربرايز (HPE) الأمريكية الرائدة. ويمثل إطلاق "شاهين 3" نقلة نوعية في قدرات الحوسبة الفائقة للمملكة العربية السعودية، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث والتطوير في مجموعة واسعة من المجالات العلمية والتقنية.

الخلفية والأهمية الاستراتيجية

تأتي عملية تدشين "شاهين 3" ضمن سياق أوسع لجهود المملكة العربية السعودية الرامية إلى تحقيق أهداف رؤيتها الطموحة 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع معرفي قائم على الابتكار. لطالما كانت كاوست في طليعة هذه الجهود، حيث استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية البحثية المتقدمة. ويعتبر "شاهين 3" تتويجًا لسلسلة من الاستثمارات في الحوسبة الفائقة، حيث سبقه الحاسوبان "شاهين 1" و"شاهين 2"، اللذان ساهما بشكل كبير في دعم الأبحاث العلمية في الجامعة والمملكة لعقد من الزمان. يمثل هذا الحاسوب العملاق الجديد استثمارًا استراتيجيًا يهدف إلى دفع عجلة الاكتشاف العلمي، وتعزيز القدرات الوطنية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، والمحاكاة المعقدة، مما يؤكد التزام السعودية بالريادة التكنولوجية في المنطقة والعالم.

القدرات التقنية والمواصفات

يتميز "شاهين 3" بتصميمه المتقدم كجزء من نظام HPE Cray EX4000، وهو من الأنظمة الرائدة عالمياً في مجال الحوسبة الفائقة. صُمم هذا الحاسوب العملاق لتقديم أداء غير مسبوق، قادر على معالجة تيرابايت من البيانات بسرعة فائقة وإجراء مليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة. يتمتع "شاهين 3" بقدرات حوسبة "إكساسكيل" (exascale)، مما يجعله ضمن الفئة النخبوية للحواسيب العملاقة على مستوى العالم. تشمل مواصفاته الفنية المتقدمة:

معالجات حديثة ومُحسّنة خصيصًا لأداء الحوسبة الفائقة.
نظام تخزين بيانات ضخم وعالي السرعة لدعم الأبحاث التي تتطلب كميات هائلة من البيانات.
شبكة داخلية فائقة السرعة تضمن الاتصال الفعال بين آلاف نوى المعالجة.
تصميم موفر للطاقة يقلل من البصمة البيئية للحاسوب مع الحفاظ على الأداء الأمثل.

هذه القدرات تمكن الباحثين من التعامل مع تحديات علمية لم تكن ممكنة في السابق، وتفتح الأبواب أمام نماذج محاكاة أكثر دقة وتعقيدًا في مجالات متعددة تتطلب قوة حوسبية هائلة.

مجالات التطبيق والتأثير المتوقع

من المتوقع أن يكون لـ "شاهين 3" تأثير تحولي على العديد من القطاعات البحثية والصناعية داخل المملكة وخارجها، من خلال تمكين اكتشافات علمية غير مسبوقة. تشمل مجالات التطبيق الرئيسية ما يلي:

الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة: تسريع تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة وتحليل مجموعات البيانات الضخمة لتطبيقات مثل الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية.
نمذجة المناخ وعلوم الغلاف الجوي: إجراء محاكاة مناخية عالية الدقة للتنبؤ بالتغيرات البيئية وفهم تأثيراتها على المدى الطويل.
علوم المواد والهندسة: تصميم واكتشاف مواد جديدة ذات خصائص محسنة للاستخدام في الطاقة والطب والصناعة.
العلوم الحيوية والطب: تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وفهم الأمراض على المستوى الجزيئي، وتطوير علاجات شخصية ومبتكرة.
استكشاف الطاقة: تحسين نماذج استكشاف الموارد الهيدروكربونية والمتجددة، وزيادة كفاءة استغلال الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، سيساهم "شاهين 3" في بناء كوادر وطنية متخصصة في الحوسبة الفائقة، مما يعزز من قدرة المملكة على الابتكار وريادة المشهد التكنولوجي العالمي ويجذب المواهب من جميع أنحاء العالم.

التعاون الدولي والمنافسة

يبرز التعاون مع هيوليت باكارد إنتربرايز (HPE) كعامل حاسم في نجاح مشروع "شاهين 3". تتمتع HPE بخبرة واسعة في بناء وتشغيل الحواسيب العملاقة الأكثر قوة في العالم، وهذا التعاون يضمن أن "شاهين 3" يدمج أحدث التقنيات والمعايير العالمية. يضع هذا الإنجاز السعودية في منافسة مباشرة مع الدول الرائدة في مجال الحوسبة الفائقة، مما يعكس التزامها بالاستثمار في البحث والتطوير عالي المستوى. ومن خلال توفير مثل هذه الموارد الحوسبية المتقدمة، تعزز كاوست جاذبيتها للباحثين الموهوبين من جميع أنحاء العالم، مما يسهم في خلق بيئة بحثية عالمية المستوى ويدعم مكانة المملكة كمركز علمي رائد.

في الختام، يُعد إطلاق "شاهين 3" لحظة محورية للمملكة العربية السعودية وكاوست، حيث يدفع حدود الاكتشاف العلمي والابتكار التكنولوجي في المنطقة. هذا الاستثمار لا يمثل مجرد إضافة إلى البنية التحتية التقنية، بل هو التزام بمستقبل يعتمد على المعرفة والتقدم العلمي والتنمية المستدامة.