شيماء النجار تكشف خبايا "التلي": فن الخيوط الفضية الذي يحيي تراث الأجداد

مؤخرًا، سلطت الفنانة والحرفية المصرية شيماء النجار الضوء على أحد كنوز التراث الفني العريق في العالم العربي، وهو فن "التلي". من خلال حوار خاص، كشفت النجار عن الأسرار الكامنة وراء هذا الفن الأصيل الذي يعتمد على خيوط الفضة، مؤكدة أنه ليس مجرد تطريز يدوي، بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخية لمنطقتها، ويمثل جسرًا يربط الماضي العريق بالحاضر، ويفتح آفاقًا لمستقبل هذا التراث.

تُعد شيماء النجار، المتخصصة في إحياء فن "التلي"، من أبرز الشخصيات التي تسعى جاهدة للحفاظ على هذا الميراث الثقافي ونقله للأجيال القادمة. يأتي هذا الاهتمام المتزايد بفنون التراث في سياق جهود أوسع للحفاظ على الهوية الثقافية في مواجهة التغيرات السريعة والعولمة.

جذور فن التلي: تاريخ وهوية

يمتد فن "التلي" بجذوره عميقًا في تاريخ المنطقة، خاصة في صعيد مصر وشبه الجزيرة العربية، حيث ازدهر كشكل فريد من أشكال التطريز اليدوي. يعود تاريخه إلى قرون مضت، وكان يستخدم في تزيين الملابس النسائية التقليدية، وخاصة أغطية الرأس والفساتين وأجزاء من جهاز العروس. لم يكن "التلي" مجرد زينة، بل كان يعكس مكانة المرأة الاجتماعية وذوقها الرفيع، وكان كل تصميم يحمل رموزًا ودلالات خاصة بالمنطقة أو القبيلة.

المواد الأساسية: كان فن "التلي" يعتمد بشكل رئيسي على خيوط الفضة النقية، وأحيانًا خيوط الذهب، التي تُنسج بعناية فائقة على أقمشة من القطن أو الحرير، لتشكل أنماطًا هندسية وزخارف نباتية معقدة.
الأصالة والتقنية: تتميز تقنية "التلي" بالدقة المتناهية والصبر، حيث يتم استخدام إبر رفيعة وأدوات بسيطة لخلق تحف فنية يدوية الصنع. تعتمد هذه التقنية على غرز محددة تبرز جمال الخيوط المعدنية وتألقها.
القيمة الثقافية: يتجاوز فن "التلي" قيمته المادية ليصبح رمزًا للتراث غير المادي، يعبر عن براعة الأجداد وعمق تاريخ المنطقة الغني بالفنون والحرف.

براعة يدوية وتفاصيل دقيقة

تُعرف عملية صناعة "التلي" بكونها تتطلب مهارة فائقة وصبرًا عظيمًا. تبدأ الحرفية باختيار القماش المناسب، عادة ما يكون من القطن أو الكتان، ثم ترسم عليه الأنماط الأولية. بعد ذلك، تبدأ في نسج خيوط الفضة (أو الذهب) باستخدام إبرة خاصة، مخلقة بذلك أنماطًا هندسية متداخلة أو مستوحاة من الطبيعة. كل قطعة من "التلي" هي عمل فني فريد يستغرق ساعات طويلة، وربما أيامًا، لإنجازه، ويعكس التفاني والإتقان اليدوي للحرفية.

على مر العصور، تطورت أنماط "التلي" لتشمل زخارف متنوعة، لكنها حافظت على طابعها الأصيل. تشمل هذه الأنماط أشكالًا مثل النجوم، المربعات، المثلثات، وأحيانًا أشكالًا مستوحاة من النباتات والحيوانات المحلية، كل ذلك بتنسيق فريد يضفي عليها جمالًا خالدًا.

دور شيماء النجار في إحياء التراث

تأتي جهود شيماء النجار في وقت حاسم لإنقاذ فن "التلي" من الاندثار. فمثل العديد من الحرف اليدوية التقليدية، يواجه "التلي" تحديات كبيرة، بما في ذلك تراجع أعداد الحرفيين الشباب ونقص الوعي بأهميته. تعمل النجار على عدة محاور للحفاظ على هذا الفن:

التوثيق والبحث: تقوم النجار بجمع المعلومات والأنماط القديمة لتوثيق فن "التلي"، مما يضمن عدم ضياع هذه المعارف القيمة.
التدريب والتعليم: تُقدم شيماء النجار ورش عمل ودورات تدريبية لتعليم الأجيال الجديدة أصول هذا الفن، وتشجيعهم على ممارسته والابتكار فيه.
التجديد والتطوير: تسعى النجار إلى دمج فن "التلي" في منتجات عصرية وحديثة، مثل الإكسسوارات وحقائب اليد وقطع الديكور المنزلي، لجعله أكثر جاذبية للجمهور المعاصر وضمان استمراريته اقتصاديًا.
التوعية الإعلامية: تسهم مقابلاتها الإعلامية، مثل تلك التي أجرتها مؤخرًا، في زيادة الوعي بفن "التلي" وأهميته الثقافية والتراثية، وتلهم الآخرين لدعم الحرف اليدوية المحلية.

تؤكد النجار أن إحياء فن "التلي" لا يقتصر على الحفاظ على تقنية قديمة، بل هو مشروع يهدف إلى تمكين النساء الحرفيات، وتوفير فرص عمل لهن، وتعزيز الاقتصاد المحلي القائم على الصناعات اليدوية.

التحديات وآفاق المستقبل

بالرغم من الجهود المبذولة، يواجه فن "التلي" تحديات مستمرة. من أبرز هذه التحديات، ارتفاع تكلفة المواد الخام، خاصة خيوط الفضة الأصلية، وصعوبة المنافسة مع المنتجات الصناعية الرخيصة. كما أن قلة الحرفيين القادرين على إتقان هذا الفن المعقد يمثل تهديدًا حقيقيًا لبقائه.

مع ذلك، هناك آفاق واعدة لمستقبل فن "التلي". فمع تزايد الاهتمام العالمي بالمنتجات اليدوية الأصيلة والمستدامة، يمكن أن يجد "التلي" طريقه إلى الأسواق الدولية. كما أن دعم الحكومات والمنظمات الثقافية لمثل هذه الحرف، وتوفير المنصات اللازمة لعرضها، يمكن أن يعزز من مكانته ويضمن استمراريته.

تظل جهود شخصيات مثل شيماء النجار حجر الزاوية في الحفاظ على هذا الإرث الفني الثمين. فمن خلال إبداعها وشغفها، لا تكتشف النجار أسرار فن "التلي" فحسب، بل تروي قصة هويتنا وتراثنا الثقافي، مؤكدة أن الخيوط الفضية لا تزال تحكي حكايات الأجداد وتزين مستقبل الأبناء.