شيماء النجار: رحلة إحياء فن التلي وأسرار حرفة خيوط الفضة
في تصريحات حديثة لها لبرنامج “ست ستات”، كشفت الفنانة والحرفية شيماء النجار، المتخصصة في إحياء فن “التلي” العريق، عن الأسرار العميقة لهذه الحرفة التراثية. شددت النجار على أن فن التلي يتجاوز كونه مجرد تطريز يدوي؛ فهو يمثل هوية راسخة وتاريخًا عريقًا يربط الماضي بالحاضر، ويفتح في الوقت ذاته آفاقًا للمستقبل. وأوضحت أن هذا الفن الأصيل يتميز، تاريخيًا، باستخدامه لخيوط الفضة أو الذهب في زخرفاته المعقدة.

أصول فن التلي وأهميته التاريخية
تُعَد حرفة التلي، المعروفة أيضًا باسم “تلي بدوي” أو “تطريز التلي”، فنًا قديمًا يعود تاريخه إلى قرون مضت، وقد ازدهرت بشكل خاص في مناطق مثل صعيد مصر وشبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى العديد من دول الخليج العربي. تاريخيًا، كانت هذه الحرفة جزءًا لا يتجزأ من الأزياء التقليدية، خاصةً ملابس النساء، حيث كانت تزين فساتين الزفاف الفاخرة، والأوشحة، والملابس الاحتفالية. وقد أضفى استخدام الخيوط المعدنية الثمينة، وخاصة الفضة وأحيانًا الذهب، على هذه القطع لمسة من الفخامة والمكانة والرمزية الثقافية، فلم تكن مجرد زينة، بل كانت تعبيرًا عن الثراء والتراث والهوية الثقافية لمن يرتديها.
تتميز عملية تطريز التلي بدقتها الشديدة، وتتطلب مهارة وصبرًا استثنائيين. يعمل الحرفيون عادةً باستخدام وسادة خاصة أو إطار خشبي صغير، حيث ينسجون الخيوط المعدنية بدقة مع خيوط الحرير أو القطن الملونة لإنشاء أنماط هندسية وزخارف نباتية وتصميمات تجريدية. تعكس كل غرزة أجيالًا من المعرفة المتراكمة والتعبير الفني، مما يجعل كل قطعة شهادة فريدة على تفاني الحرفي.
التحديات الراهنة وجهود الإحياء
على الرغم من تاريخه الغني وجماله الفني، واجه فن التلي تحديات كبيرة في العقود الأخيرة. أدى تراجع الاهتمام بين الأجيال الشابة، وارتفاع تكاليف المواد الخام، وظهور التطريز الآلي الأسرع والأقل تكلفة، وتناقص عدد الحرفيين الخبراء، إلى تهديد بقاء هذه الحرفة. تكافح العديد من الحرف التقليدية للتكيف مع الحقائق الاقتصادية الحديثة، مما يعرضها لخطر الاندثار.
في هذا السياق، تلعب شخصيات مثل شيماء النجار دورًا حيويًا. إن تخصصها في “إحياء” فن التلي يشير إلى جهد واعٍ لحماية هذا التراث غير المادي من الزوال. من خلال مبادرات متعددة، قد تشمل إقامة ورش عمل، وتوفير التدريب للحرفيين الجدد، وتجربة تصاميم معاصرة تناسب أذواق السوق الأوسع، تعمل النجار على ضمان استمرارية هذه الحرفة. وقد أتاح ظهورها الأخير في برنامج “ست ستات” منصة حيوية لرفع الوعي العام بجمال التلي وتاريخه وحاجته الماسة إلى الحفظ.
الأبعاد الثقافية والاقتصادية
يتجاوز الحفاظ على فن التلي مجرد التقدير الجمالي؛ فهو يحمل آثارًا ثقافية واقتصادية عميقة. من الناحية الثقافية، يعمل كحلقة وصل ملموسة بالتقاليد السلفية، مما يسمح للأجيال الحالية بالتواصل مع ماضيها ويعزز هوية ثقافية مميزة. كما أنه يغذي شعورًا بالانتماء المجتمعي بين الحرفيين ويعزز نقل المعرفة بين الأجيال.
اقتصاديًا، يوفر إحياء فن التلي مسارات للعيش المستدام، لا سيما للنساء في المجتمعات الريفية والمحرومة. من خلال توفير التدريب على المهارات والوصول إلى الأسواق، يمكنه تمكين الحرفيات ليصبحن مكتفيات ذاتيًا، والمساهمة في دخل أسرهن، وتحقيق استقلال مالي أكبر. علاوة على ذلك، تتمتع منتجات التلي اليدوية، بقصتها الفريدة وحرفيتها المعقدة، بالقدرة على جذب السياحة وتحقيق أسعار مميزة في أسواق السلع الفاخرة المحلية والدولية، مما يوفر فرصة اقتصادية قيمة.
مستقبل فن التلي
تتوقف آفاق مستقبل فن التلي، كما تدعو إليه شخصيات مثل شيماء النجار، على نهج متعدد الأوجه. يشمل ذلك استمرار الجهود التعليمية لإشراك الأجيال الشابة، والابتكار في التصميم للحفاظ على أهمية الحرفة في السياقات المعاصرة، وآليات دعم قوية للحرفيين، مثل ممارسات التجارة العادلة والوصول إلى مواد عالية الجودة. تؤكد رؤية النجار أن التلي ليس مجرد قطعة أثرية من الماضي، بل هو شكل فني ديناميكي قادر على التطور مع الحفاظ على جوهره الأساسي، ليكون جسرًا حيويًا يربط التراث المصري الغني بمستقبله الطموح.
ويبرز تأكيد النجار على أن التلي يمثل “هوية وتاريخًا” مدى أهميته العميقة في الخطاب الثقافي، مؤكدة مكانته ليس فقط كحرفة، بل كشهادة حية على الإبداع البشري والمرونة.




