الجيش السوداني: التجهيزات للحرب متواصلة ونرحب بجهود السلام
أكدت القيادة العسكرية السودانية، ممثلة بوزير الدفاع في حكومة الأمر الواقع التي يقودها عبد الفتاح البرهان، حسن كبرون، مؤخرًا، أن الجيش السوداني يواصل استعداداته العسكرية الحثيثة لمواجهة ما وصفه بـ«معركة الشعب». جاء هذا الإعلان ليؤكد على تصميم القوات المسلحة السودانية على استعادة الأمن والاستقرار في البلاد، مع التأكيد في الوقت ذاته على ترحيبها بكافة جهود السلام الهادفة إلى إنهاء الصراع الدائر. يعكس هذا الموقف المزدوج تعقيدات الأزمة السودانية الجارية التي تشهد قتالًا عنيفًا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أشهر طويلة، مخلفةً وراءها دمارًا واسعًا وأزمة إنسانية غير مسبوقة.

سياق التطورات الراهنة
تصريحات الوزير حسن كبرون، التي جاءت في سياق حديثه عن تطورات الوضع الميداني واستراتيجية الجيش، شددت على أن مواصلة التجهيزات العسكرية تمثل «حقًا وطنيًا مشروعًا» للدفاع عن سيادة البلاد وحماية مواطنيها. يُنظر إلى هذه الاستعدادات على أنها جزء من استراتيجية أوسع للجيش السوداني لتعزيز قدراته القتالية واستعادة المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، خاصة في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات الأخرى التي شهدت اشتباكات عنيفة. يأتي هذا في وقت تتصاعد فيه الدعوات الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما يرى الجيش أن تحقيق النصر العسكري هو السبيل الوحيد لإجبار الطرف الآخر على الانصياع لشروط السلام الدائم.
خلفية الصراع السوداني
اندلع الصراع الحالي بين القوات المسلحة السودانية (الجيش) وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر بشأن خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش كجزء من عملية انتقال سياسي أوسع. تعود جذور الأزمة إلى سنوات من الصراعات السياسية والعسكرية في السودان، وتصاعدت حدتها مع فشل المفاوضات حول هيكلة القوات الأمنية. تحول الصراع بسرعة إلى حرب شاملة، حيث تتنافس القوتان على السيطرة على العاصمة والمناطق الاستراتيجية الأخرى. أدى هذا الاقتتال إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية، ونزوح الملايين، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، مما وضع السودان على شفا كارثة إنسانية شاملة.
جهود السلام المتعثرة
على الرغم من إعلان الجيش ترحيبه بجهود السلام، إلا أن مساعي الوساطة الدولية والإقليمية لم تحقق حتى الآن أي اختراق جوهري لإنهاء النزاع. شهدت عدة جولات من المحادثات، أبرزها في جدة بوساطة سعودية أمريكية، وفي إطار مبادرات الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي، ولكنها باءت بالفشل في التوصل إلى اتفاق مستدام لوقف إطلاق النار أو حل سياسي. تكمن العوائق الرئيسية في غياب الثقة بين الطرفين المتحاربين، وتمسك كل منهما بشروطه المسبقة، وصعوبة مراقبة أي اتفاق لوقف إطلاق النار على الأرض. يصر الجيش على أن أي سلام يجب أن يبدأ بخروج قوات الدعم السريع من المناطق المدنية وعودتها إلى ثكناتها، بينما تطالب قوات الدعم السريع بتمثيل سياسي وإعادة هيكلة شاملة للدولة.
التداعيات الإنسانية والإقليمية
الوضع الإنساني في السودان وصل إلى مستويات حرجة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، مما يجعلها واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم. يواجه ملايين آخرون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والرعاية الصحية، وتتزايد المخاوف من مجاعة واسعة النطاق. تجاوزت تداعيات الصراع الحدود السودانية، حيث تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول المجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان وإثيوبيا، مما يفرض ضغوطًا هائلة على موارد تلك الدول ويهدد الاستقرار الإقليمي بأكمله. تستمر المنظمات الدولية في المطالبة بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والتخفيف من معاناة المدنيين.
دلالات الموقف العسكري
موقف الجيش السوداني الذي يجمع بين التجهيزات للحرب والترحيب بالسلام، يعكس استراتيجية قديمة في النزاعات المسلحة، حيث يسعى الطرف العسكري إلى تحقيق مكاسب على الأرض لتعزيز موقفه التفاوضي. تهدف هذه الرسالة المزدوجة إلى طمأنة أنصاره بأنه لا يزال ملتزمًا بالحسم العسكري، بينما يترك الباب مفتوحًا أمام حل دبلوماسي في حال تغيرت الظروف الميدانية أو السياسية. ومع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي على مخاطر استمرار الصراع وتفاقم معاناة المدنيين، ويضع عبئًا إضافيًا على الوسطاء الدوليين لإيجاد صيغة تجمع بين المطالب المتضاربة للأطراف المتحاربة في سبيل إنقاذ السودان من الهاوية.
في ظل هذا التعقيد، تظل آمال السودانيين معلقة على جهود فعلية تنهي دوامة العنف وتؤسس لمستقبل سلمي ومستقر، بعيدًا عن لغة السلاح ومخاطر الصراعات المسلحة.




