مصر: أبرز 3 استثناءات لقانون التصالح في مخالفات البناء قبيل انتهاء المهلة المحددة

في إطار جهود الحكومة المصرية الرامية إلى تنظيم العمران وتوفيق أوضاع المباني المخالفة، تشهد الساحة التشريعية والإدارية اهتمامًا متزايدًا بقانون التصالح في مخالفات البناء رقم 187 لسنة 2023. ومع قرب انتهاء المهلة المحددة لتقديم طلبات التصالح، تبرز أهمية فهم الأحكام التفصيلية للقانون، لا سيما تلك الحالات المستثناة من إمكانية التصالح، والتي أشار إليها مؤخرًا المهندس سامح الغزولي، عضو الاتحاد العربي للتنمية المستدامة. يهدف هذا القانون إلى معالجة الإشكالية المزمنة للمباني غير المرخصة أو المخالفة، مسعيًا لتحقيق التوازن بين الحفاظ على السلامة العامة والنظام العمراني، وبين تيسير الإجراءات على المواطنين لتوفيق أوضاع ممتلكاتهم.

السياق التشريعي وأهداف قانون التصالح

لطالما مثلت قضية مخالفات البناء تحديًا كبيرًا في مصر، حيث أدت إلى انتشار العشوائيات وتشوه المظهر الحضري، بالإضافة إلى تداعيات سلبية على البنية التحتية والسلامة العامة. لمواجهة هذه المشكلة، أصدرت الدولة في عام 2019 القانون رقم 17 بشأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها. ونظرًا للحاجة إلى معالجة بعض الثغرات وتوسيع نطاق الاستفادة، تم تعديل هذا القانون ليصدر القانون رقم 187 لسنة 2023، والذي يعتبر أكثر شمولاً ويقدم تسهيلات إضافية للمواطنين. الهدف الأساسي من هذه التشريعات هو دمج هذه المباني ضمن الإطار القانوني للدولة، وتوفير بيئة عمرانية منظمة وآمنة، بالإضافة إلى تحصيل مستحقات للدولة تُوجه لتحسين الخدمات والمرافق.

يمثل القانون الجديد نقلة نوعية في التعامل مع المخالفات، حيث وسع من حالات التصالح المسموح بها، وقلل من القيود التي كانت تفرضها التشريعات السابقة. كما أنه نص على تبسيط الإجراءات وتحديد مهل زمنية واضحة للبت في الطلبات، وذلك لتشجيع المواطنين على التقدم بطلبات التصالح قبل فوات الأوان. اللائحة التنفيذية للقانون، التي صدرت في مارس 2024، حددت مهلة ستة أشهر لتقديم طلبات التصالح، مما يعني أن الموعد النهائي يقترب بوتيرة متسارعة، ويجب على المعنيين الالتزام به.

الشروط العامة لتقديم طلبات التصالح

بموجب القانون الجديد، يمكن التصالح في غالبية مخالفات البناء التي لا تخل بالسلامة الإنشائية للمبنى أو تؤثر سلبًا على حقوق الارتفاق الخاصة بالآخرين. يشمل ذلك مخالفات تغيير الاستخدام، وزيادة النسبة البنائية أو عدد الأدوار، والبناء بدون ترخيص، طالما أن هذه المخالفات لا تندرج ضمن الحالات المستثناة بشكل صريح. يتطلب تقديم الطلب سداد رسوم فحص وتكاليف جدية التصالح، مع إمكانية تقسيط المبالغ المستحقة لتخفيف العبء المالي على المواطنين.

الحالات الثلاث المستثناة من التصالح

على الرغم من التوسعات التي أقرها القانون الجديد في نطاق التصالح، إلا أنه وضع حدودًا واضحة لبعض المخالفات التي لا يمكن قبول طلبات التصالح فيها، وذلك لأسباب تتعلق بالسلامة العامة، وحماية الموارد الوطنية، والحفاظ على حقوق الدولة. وتشمل هذه الاستثناءات الثلاثة الرئيسية ما يلي:

المخالفات المخلة بالسلامة الإنشائية للمبنى: تُعد هذه الفئة هي الأهم والأكثر خطورة، حيث يرفض القانون التصالح في أي مخالفة تؤثر سلبًا على سلامة المبنى الإنشائية وتهدد أرواح قاطنيه أو مستخدميه. يشمل ذلك أي تعديلات أو إضافات تضعف الأساسات، أو الهيكل الخرساني، أو تعرض المبنى لخطر الانهيار، حيث أن سلامة الأرواح والممتلكات هي الأولوية القصوى.
التعدي على أملاك الدولة أو الأراضي الأثرية أو نهر النيل: لا يجوز التصالح في حالات التعدي على الأراضي المملوكة للدولة، ما لم يكن قد تم تقديم طلب لتقنين وضع اليد عليها وفقًا للقوانين المنظمة لذلك. كما يمنع التصالح في المباني المقامة على الأراضي الخاضعة لقانون حماية الآثار، أو تلك التي تقع ضمن حرم نهر النيل ومجاريه المائية، وذلك لحماية التراث الوطني والموارد المائية الحيوية.
المخالفات الخاصة بقيود الارتفاع المقررة من سلطة الطيران المدني والقوات المسلحة: تُمثل هذه القيود جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي وسلامة الملاحة الجوية. لذا، لا يسمح القانون بالتصالح في المخالفات التي تتجاوز الارتفاعات المحددة في المناطق المتاخمة للمطارات أو المسارات الجوية، أو المناطق العسكرية، لما لها من تأثير مباشر على سلامة حركة الطيران وعمليات الدفاع الجوي.

الأهمية والأثر المترتب على قانون التصالح

يمثل قانون التصالح في مخالفات البناء أداة حيوية لتحقيق الاستقرار العمراني والاجتماعي في مصر. من جانب المواطنين، يوفر القانون فرصة ذهبية لتقنين أوضاع ممتلكاتهم وحمايتها من قرارات الإزالة، مما يمنحهم شعورًا بالأمان والاستقرار ويسهل عليهم الحصول على كافة الخدمات والمرافق الأساسية. كما أنه يعالج مشكلات تجميد الاستثمارات العقارية في المباني المخالفة ويفتح الباب أمام تداولها بشكل قانوني.

أما من جانب الدولة، فإن القانون يسهم في تحقيق عدة أهداف استراتيجية. فهو يساعد في تنظيم خريطة العمران وتحديثها، ويقلل من الضغط على البنية التحتية في المناطق العشوائية، ويحد من انتشار البناء غير المخطط. كما أن الرسوم المحصلة من التصالح تشكل موردًا ماليًا هامًا يساهم في تمويل مشروعات التنمية وتحسين الخدمات العامة، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.

في الختام، مع اقتراب الموعد النهائي لتقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء، من الضروري أن يدرك المواطنون المعنيون كافة تفاصيل القانون، لا سيما الاستثناءات التي لا يمكن التصالح فيها. إن الاستجابة لهذه الفرصة التشريعية في وقتها المحدد، مع مراعاة القيود المفروضة لحماية السلامة العامة والمصالح الوطنية، سيسهم بشكل فعال في بناء مستقبل عمراني أكثر تنظيمًا واستدامة لمصر.