استئناف محاكمة نتنياهو بتهم الفساد: جدل حول طلب العفو المزعوم من ترامب

استأنفت المحكمة المركزية في القدس، في مطلع عام 2021، جلسات محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، التي يواجه فيها اتهامات خطيرة بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. جاء استئناف هذه المحاكمة البارزة في ظل اهتمام دولي ومحلي كبير، وتزامنًا مع تقارير إعلامية أشارت إلى أن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب قد بحث إمكانية منحه العفو، وهو ما أثار جدلاً واسعًا وتساؤلات حول الدلالات السياسية والقانونية لمثل هذا الطلب.

خلفية القضية

يمثل بنيامين نتنياهو، الذي يُعد أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في المنصب، المتهم الرئيسي في ثلاث قضايا فساد تعرف إعلاميًا بـ «الملفات». هذه القضايا طغت على المشهد السياسي الإسرائيلي لسنوات، وأثرت بشكل كبير على استقرار الحكومات والانتخابات المتتالية:

الملف 1000 (قضية الهدايا): يُتهم نتنياهو بتلقي هدايا باهظة الثمن، مثل السيجار الفاخر وزجاجات الشمبانيا، من أثرياء ورجال أعمال مثل أرنون ميلتشن وجيمس باكر، مقابل مزايا شخصية أو محاولات للتأثير على قرارات حكومية.
الملف 2000 (قضية يديعوت أحرونوت): تتهم النيابة نتنياهو بمحاولة عقد صفقة تبادل مصالح مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت، أرنون موزيس. وتهدف الصفقة المزعومة إلى ضمان تغطية إعلامية إيجابية لنتنياهو وعائلته، في مقابل إضعاف صحيفة «إسرائيل اليوم» المنافسة لـ«يديعوت أحرونوت».
الملف 4000 (قضية بيزك - والا نيوز): تُعد هذه القضية هي الأخطر، حيث يواجه فيها نتنياهو تهمة الرشوة. يتهمه الادعاء بمنح مزايا تنظيمية كبيرة لشركة الاتصالات بيزك المملوكة لرجل الأعمال شاؤول إلوفيتش (الصديق المقرب لنتنياهو)، مقابل تغطية إعلامية إيجابية للغاية على موقع «والا نيوز» الإخباري التابع لإلوفيتش.

ينفي نتنياهو جميع التهم الموجهة إليه، ويصر على أنها «حملة اضطهاد» ذات دوافع سياسية تهدف إلى الإطاحة به من السلطة.

التطورات الأخيرة واستئناف المحاكمة

بعد سلسلة من الجلسات الأولية، استأنفت المحاكمة في أوائل عام 2021 ببدء مرحلة تقديم الأدلة والاستماع إلى شهادات الشهود. هذه المرحلة هي الأهم في العملية القضائية، حيث يسعى الادعاء إلى إثبات التهم الموجهة لنتنياهو من خلال شهادات شهود رئيسيين ووثائق. من المتوقع أن تستغرق هذه المرحلة وقتًا طويلاً، وقد تمتد لسنوات.

أما الجدل حول طلب العفو المزعوم من ترامب، فقد برزت تقارير إعلامية، أبرزها تقرير لموقع «أكسيوس» في يناير 2021، تشير إلى أن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ناقش مع مستشاريه إمكانية منح عفو لنتنياهو. من المهم الإشارة إلى أن عفوًا رئاسيًا أمريكيًا لا يمكن أن يُطبق على محاكمة تجري في نظام قضائي لدولة ذات سيادة مثل إسرائيل. لذا، فإن الهدف من مثل هذا النقاش أو الاقتراح كان يمكن أن يكون إما لفتة سياسية أو محاولة لممارسة نوع من الضغط غير المباشر.

أثارت هذه التقارير استنكارًا واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية في إسرائيل وخارجها، حيث اعتُبرت تدخلاً محتملاً وغير مقبول في الشؤون القضائية الداخلية لدولة حليفة، ومساسًا بمبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء.

الأبعاد والتداعيات

تتجاوز تداعيات محاكمة نتنياهو مصيره الشخصي لتشمل مستقبل الديمقراطية ومؤسسات الدولة في إسرائيل:

التأثير على السياسة الإسرائيلية: أدت المحاكمة إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث أثرت بشكل مباشر على قدرة نتنياهو على تشكيل حكومات مستقرة، ودفعته نحو خوض عدة انتخابات متتالية في محاولة للحصول على تفويض شعبي يجنبه تداعيات المحاكمة.
اختبار لسيادة القانون: تمثل المحاكمة اختبارًا حقيقيًا لمبدأ سيادة القانون في إسرائيل، وتؤكد على أن لا أحد فوق القانون، حتى رئيس الوزراء. إن سير العدالة في هذه القضية يحمل أهمية كبرى لمصداقية النظام القضائي الإسرائيلي.
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: فكرة تدخل رئيس أمريكي في قضية جنائية لرئيس وزراء حليف، حتى لو كانت رمزية أو غير قابلة للتطبيق قانونيًا، كانت سابقة مثيرة للجدل وغير مريحة دبلوماسيًا.
الرأي العام: أدت المحاكمة إلى انقسام حاد في الرأي العام الإسرائيلي، بين من يرى نتنياهو بريئًا وضحية لمؤامرة سياسية، ومن يعتبره مذنباً ويجب أن يواجه العدالة.

تستمر المحاكمة في مسارها القضائي المعقد، ومن المتوقع أن تستغرق وقتًا طويلاً قبل صدور حكم نهائي، وستبقى تداعياتها محط أنظار المراقبين والمحللين على حد سواء.