تداعيات خلل محركات إيرباص: قلق عالمي وإجراءات احترازية من مصر للطيران

يشهد قطاع الطيران العالمي حالة من الاضطراب المتزايد في أعقاب الكشف عن خلل صناعي خطير في محركات من طراز Pratt & Whitney GTF، والتي تشغل عدداً كبيراً من طائرات الركاب ضيقة البدن من عائلة Airbus A320neo. وقد أدى هذا التطور إلى إطلاق حملة فحص وإصلاح واسعة النطاق، مما تسبب في تداعيات تشغيلية ومالية كبيرة على شركات الطيران حول العالم، ومن بينها شركة مصر للطيران التي أعلنت عن اتخاذها تدابير استباقية للتعامل مع الموقف.

خلفية الخلل الفني وتأثيره

تعود جذور الأزمة إلى إعلان شركة RTX Corporation، الشركة الأم لـ Pratt & Whitney، في أواخر عام 2023 عن اكتشاف "حالة نادرة في مسحوق المعادن" المستخدم في تصنيع أقراص التوربينات عالية الضغط لعدد كبير من محركاتها من طراز PW1100G. وأوضحت الشركة أن هذه الشوائب المجهرية يمكن أن تؤدي مع مرور الوقت إلى تكوين شقوق، مما يزيد من خطر تعطل المحرك بشكل مفاجئ. هذا الكشف دفع المنظمين العالميين، بما في ذلك وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA) وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA)، إلى إصدار توجيهات صارمة تستلزم إجراء عمليات فحص عاجلة ومكثفة.

تستهدف عمليات الفحص آلاف المحركات المركبة على طائرات عاملة حول العالم. وتتطلب العملية المعقدة إزالة المحركات من أجنحة الطائرات وإرسالها إلى ورش متخصصة، حيث يتم تفكيكها بالكامل لفحص المكونات الداخلية. وبسبب الطبيعة الدقيقة للخلل، قد تستغرق عملية الفحص والإصلاح لكل محرك ما يصل إلى عدة أشهر، مما يخلق ضغطاً هائلاً على سلسلة التوريد ويزيد من فترات توقف الطائرات عن الخدمة.

التأثير العالمي على شركات الطيران

امتد تأثير هذه المشكلة ليشمل عشرات شركات الطيران حول العالم التي تعتمد بشكل كبير على أسطول طائرات A320neo. فقد أعلنت شركات كبرى مثل مجموعة Lufthansa الألمانية، وWizz Air المجرية، وIndiGo الهندية، وSpirit Airlines الأمريكية عن اضطرارها لإيقاف عشرات الطائرات عن الخدمة لفترات طويلة. وقد ترجم هذا الوضع إلى إلغاء آلاف الرحلات، وتقليص شبكات الخطوط الجوية، وتأخير خطط التوسع، مما أثر سلباً على إيراداتها وقدرتها التنافسية في سوق متعافٍ حديثاً من جائحة كورونا. وتتفاقم المشكلة بسبب التحديات القائمة أصلاً في سلاسل توريد قطع الغيار، مما يزيد من صعوبة الحصول على المكونات البديلة والمحركات الجديدة.

موقف مصر للطيران والإجراءات المتخذة

في سياق هذه التطورات العالمية، أصدرت شركة مصر للطيران بياناً رسمياً أكدت فيه متابعتها الدقيقة للموقف. وأعلنت الشركة عن تشكيل فريق عمل متخصص ومتكامل من مختلف الإدارات الفنية والهندسية لمتابعة كافة التحديثات والمستجدات الواردة من شركة إيرباص والمصنعين للمحركات. وتهدف هذه الخطوة إلى ضمان اتخاذ جميع التدابير الاحترازية الفورية اللازمة لضمان أعلى معايير السلامة لأسطولها الجوي وركابها.

وتشمل مهام الفريق تقييم أي تأثير محتمل للخلل على جداول التشغيل الخاصة بالشركة، والعمل على وضع خطط بديلة لتقليل أي اضطرابات قد تطرأ على رحلاتها. ونظراً لأن مصر للطيران تشغل طائرات من طراز Airbus A320neo وA321neo المجهزة بهذه المحركات، فإن هذه الإجراءات الاستباقية تعد حيوية للحفاظ على استمرارية العمليات وسلامة الركاب، بما يتماشى مع اللوائح الدولية للطيران المدني.

الأبعاد الاقتصادية وتوقعات المستقبل

من الناحية الاقتصادية، أعلنت شركة RTX عن تخصيصها مليارات الدولارات لتغطية تكاليف عمليات الفحص والإصلاح والتعويضات المحتملة لشركات الطيران المتضررة. ويمثل هذا الخلل ضربة مالية كبيرة للشركة، كما أنه يلقي بظلال من الشك على سمعة محركات GTF التي تم تسويقها باعتبارها قفزة نوعية في كفاءة استهلاك الوقود. من المتوقع أن تستمر تداعيات هذه الأزمة لسنوات قادمة، حيث تشير التقديرات إلى أن ذروة إيقاف الطائرات عن الخدمة ستكون خلال العامين المقبلين، مع استمرار عمليات الفحص والإصلاح حتى عام 2026 على الأقل. ويضيف هذا التحدي عبئاً جديداً على صناعة الطيران التي لا تزال تعمل على تحقيق الاستقرار الكامل في مرحلة ما بعد الجائحة.