"أبل" قد تُغرَم ملياري دولار بعد خسارة دعوى قضائية تاريخية في بريطانيا
تواجه شركة أبل العملاقة للتكنولوجيا احتمال فرض غرامة مالية ضخمة تصل إلى ملياري دولار أمريكي في المملكة المتحدة، وذلك في أعقاب خسارتها لدعوى قضائية تاريخية تتعلق بممارساتها الاحتكارية في سوق تطبيقات الموسيقى. يأتي هذا التطور في سياق تشديد الرقابة التنظيمية العالمية على الشركات التكنولوجية الكبرى، حيث يُنظر إلى القرار الأوروبي الأخير ضد أبل كسابقة قد تؤثر بشكل كبير على مصير قضايا مماثلة في بريطانيا وخارجها.
الخلفية: ممارسات "أبل" في متجر التطبيقات والتدقيق التنظيمي
تتمحور القضية الأساسية حول سياسات أبل في متجر تطبيقاتها (App Store)، لا سيما ما يتعلق بالعمولات المفروضة على المطورين وقواعد "مكافحة التوجيه" (anti-steering rules). تفرض الشركة عادةً عمولة بنسبة 30% على عمليات الشراء داخل التطبيقات وتمنع المطورين من إبلاغ المستخدمين داخل تطبيقاتهم بوجود خيارات دفع أرخص خارج متجر أبل، أو توجيههم إلى هذه الخيارات. أثارت هذه الممارسات شكاوى عديدة من مطورين، أبرزهم خدمة البث الموسيقي سبوتيفاي، التي قدمت شكوى رسمية إلى المفوضية الأوروبية في عام 2019.
دفعت شكوى سبوتيفاي، بالإضافة إلى مخاوف أخرى، المفوضية الأوروبية إلى فتح تحقيق شامل في ممارسات أبل، للنظر فيما إذا كانت الشركة تستغل موقعها المهيمن في السوق لعرقلة المنافسة العادلة. تركز التحقيق بشكل خاص على كيفية تأثير قواعد أبل على الابتكار وخيارات المستهلكين في قطاع خدمات بث الموسيقى.
التطورات الأخيرة: الغرامة الأوروبية وآثارها على المملكة المتحدة
في تطور حاسم حدث في 4 مارس 2024، فرضت المفوضية الأوروبية غرامة مالية تاريخية بلغت 1.8 مليار يورو (ما يقارب 2 مليار دولار أمريكي) على شركة أبل. جاءت هذه الغرامة نتيجة لانتهاك الشركة لقواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي، بعد أن خلص التحقيق إلى أن أبل منعت مطوري تطبيقات بث الموسيقى من إبلاغ المستخدمين بخيارات دفع بديلة خارج متجر التطبيقات الخاص بها. وصفت المفوضية هذا القرار بأنه ضروري لضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلكين، وشددت على أن ممارسات أبل حرمت المستخدمين من حرية الاختيار ودفعتهم لدفع أسعار أعلى.
على الرغم من أن هذه الغرامة فرضت من قبل الاتحاد الأوروبي، إلا أن تبعاتها تمتد لتشمل المملكة المتحدة. فالمملكة المتحدة، التي غادرت الاتحاد الأوروبي، لديها هيئتها التنظيمية الخاصة، هيئة المنافسة والأسواق (CMA)، التي تتابع عن كثب ممارسات الشركات التكنولوجية الكبرى. سبق لهيئة المنافسة والأسواق أن فتحت تحقيقات مستقلة في ممارسات أبل، بما في ذلك سيطرتها على متصفحات الجوال والخدمات السحابية للألعاب، فضلاً عن قواعد متجر التطبيقات.
إلى جانب التحقيقات التنظيمية، تواجه أبل في بريطانيا دعوى قضائية جماعية كبرى. ففي عام 2021، رفعت الدكتورة راشيل كنت، الأكاديمية وخبيرة السياسة الرقمية، دعوى قضائية ضد أبل نيابة عن ملايين المستخدمين في المملكة المتحدة. تطلب هذه الدعوى تعويضات بقيمة 785 مليون جنيه إسترليني (أكثر من مليار دولار أمريكي) بسبب عمولات أبل المرتفعة على المشتريات داخل التطبيقات، والتي يُزعم أنها تؤثر سلبًا على المستهلكين من خلال رفع الأسعار. أكدت محكمة استئناف المنافسة في المملكة المتحدة في نوفمبر 2023 أن الدعوى يمكن أن تستمر، مما يضع أبل تحت ضغط قانوني كبير في بريطانيا.
إن قرار الاتحاد الأوروبي الأخير يعزز موقف الجهات التنظيمية والمتقاضين في المملكة المتحدة، حيث يقدم سابقة قوية ويشير إلى وجود نمط من السلوك المناهض للمنافسة من قبل أبل. هذا قد يزيد من احتمالية فرض غرامات مماثلة أو تسويات ضخمة في بريطانيا، وقد تُجمَع هذه المبالغ أو يُقدر مجموع المطالبات المستقبلية ليصل إلى حدود الملياري دولار المذكورة.
لماذا يهم هذا الخبر؟ الآثار على السوق والمستهلكين
تكتسب هذه التطورات أهمية قصوى لعدة أسباب:
- تأثير على نموذج أعمال أبل: يشكل متجر التطبيقات مصدر دخل رئيسيًا لأبل، وتحدي سياساته قد يجبرها على إعادة هيكلة نموذج أعمالها، مما قد يؤثر على إيراداتها.
 - تمكين المطورين: قد يمنح هذا القرار المطورين مزيدًا من الحرية والمرونة في تسعير منتجاتهم والتواصل مع عملائهم، مما يعزز الابتكار والمنافسة.
 - فوائد للمستهلكين: من المتوقع أن تؤدي المنافسة المتزايدة وتوفر خيارات دفع بديلة إلى انخفاض الأسعار وزيادة الخيارات المتاحة للمستهلكين.
 - سابقة تنظيمية عالمية: تضع الغرامة الأوروبية سابقة قوية يمكن أن تستخدمها هيئات تنظيمية أخرى حول العالم، بما في ذلك هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، عند النظر في ممارسات الشركات التكنولوجية الكبرى. هذا يمثل جزءًا من حملة تنظيمية أوسع نطاقًا ضد الاحتكارات الرقمية.
 
رد فعل "أبل" وتوقعات المستقبل
أعلنت أبل فور صدور قرار المفوضية الأوروبية أنها ستستأنف الغرامة، مؤكدة أن متجر تطبيقاتها يوفر بيئة آمنة وموثوقة للمستخدمين ويحمي خصوصيتهم، وأنها قدمت مزايا تنافسية للمطورين. وتجادل الشركة بأن الغرامة "تتجاهل حقائق السوق" وأنها ستستمر في العمل الجاد للدفاع عن نموذجها.
في المملكة المتحدة، تظل الأنظار متجهة نحو هيئة المنافسة والأسواق ومحاكم الاستئناف. يمكن أن تتكثف التحقيقات الجارية، وقد تؤدي الضغوط القانونية والتنظيمية إلى تغييرات في سياسات أبل في السوق البريطانية. قد يشمل ذلك مطالب بفتح متجر التطبيقات أمام طرق دفع بديلة أو تخفيض العمولات، مما سيشكل منعطفًا جديدًا في المعركة المستمرة بين عمالقة التكنولوجيا والجهات التنظيمية حول العالم.




