أنقرة تعلق على انسحاب حزب العمال الكردستاني نحو شمال العراق
بعد إعلان قيادة حزب العمال الكردستاني (PKK) عن بدء سحب مقاتليها من الأراضي التركية باتجاه قواعدها في شمال العراق، برزت ردود الفعل الرسمية التركية المتحفظة والحذرة على هذه الخطوة التي تُعد محورية في “عملية السلام” الهادفة لإنهاء عقود من الصراع الدامي. جاء هذا الإعلان من قبل الحزب في أواخر شهر مايو من عام 2013، تنفيذاً لنداء زعيمه المسجون عبد الله أوجلان، الذي دعا في مارس من العام ذاته مقاتليه إلى وقف إطلاق النار والانسحاب.

خلفية تاريخية لـ “عملية السلام”
يمثل حزب العمال الكردستاني منظمة مسلحة خاضت صراعاً ضد الدولة التركية منذ عام 1984، مطالباً في البداية بدولة كردية مستقلة، ثم بتحقيق حقوق ثقافية وسياسية أوسع للأكراد داخل تركيا. وقد أدى هذا الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتسبب في اضطرابات واسعة. تتمركز قواعد الحزب الرئيسية تقليدياً في منطقة جبال قنديل الوعرة شمال العراق.
في مطلع عام 2013، بدأت الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني مفاوضات سرية، بمبادرة من الحكومة التركية وزعيم الحزب عبد الله أوجلان. هدفت هذه المفاوضات إلى التوصل إلى حل سلمي للقضية الكردية في تركيا، حيث أطلق عليها الجانب التركي اسم “عملية الحل”. وكان أولى خطوات هذه العملية دعوة أوجلان لمقاتليه إلى وقف إطلاق النار وسحبهم من الأراضي التركية.
الرد التركي الرسمي
عقب إعلان حزب العمال الكردستاني بدء الانسحاب، صدرت تعليقات رسمية من أنقرة حملت طابعاً حذراً، مؤكدة على أهمية المضي قدماً في العملية. صرح مسؤولون في حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم بأن الانسحاب يجب أن يكون:
- غير مشروط: أي دون طرح شروط مسبقة من جانب الحزب.
- كاملاً ونهائياً: يشمل جميع المقاتلين والأسلحة.
- قابلاً للتحقق: بحيث يمكن للحكومة التركية التأكد من جدية وواقعية الانسحاب.
وشددت الحكومة التركية على أن الهدف الأسمى هو نزع سلاح حزب العمال الكردستاني بشكل دائم، وإنهاء العنف بشكل كامل. ورغم الترحيب الحذر بالخطوة، أعربت بعض الأصوات داخل الحكومة عن مخاوف بشأن سرعة وفعالية الانسحاب، وأكدت على أن المرحلة القادمة ستشهد مراقبة دقيقة على الأرض للتأكد من التزام الحزب بوعوده.
تأثيرات الانسحاب وتحدياته
كان إعلان الانسحاب يمثل لحظة فارقة في تاريخ الصراع، حيث أثار آمالاً عريضة بإنهاء عقود من العنف. ومع ذلك، واجهت عملية الانسحاب العديد من التحديات الجوهرية، منها:
- آلية المراقبة: طالبت قيادة حزب العمال الكردستاني بوجود جهة مراقبة دولية أو محايدة للإشراف على الانسحاب، وهو ما رفضته أنقرة في البداية.
- التعريف الدقيق للانسحاب: برزت تساؤلات حول ما إذا كان الانسحاب سيشمل جميع العناصر المسلحة وما إذا كان سيرافقه تسليم السلاح.
- الوضع القانوني للمنسحبين: لم تكن هناك ضمانات واضحة بشأن الوضع القانوني للمقاتلين المنسحبين، سواء داخل تركيا أو في شمال العراق.
لم يكتمل الانسحاب بالكامل كما كان مأمولاً، وشهدت عملية السلام مراحل من التقدم والتراجع، ليتوقف بشكل شبه كامل ويعود الصراع إلى الواجهة منتصف عام 2015. ومع ذلك، كان تعليق أنقرة الأولي على إعلان الانسحاب بمثابة مؤشر على رغبة الأطراف في استكشاف سبل الحلول السلمية، وتسليط الضوء على التعقيدات العميقة للقضية الكردية وتداعياتها الإقليمية.
أهمية الخبر
يكمن أهمية هذا الخبر في أنه يمثل نقطة تحول محتملة في ملف الصراع التركي الكردي، وهو صراع له تداعيات إقليمية ودولية واسعة. التعليق التركي الأول عكس الموقف الرسمي لأنقرة إزاء خطوة مصيرية يمكن أن تمهد الطريق إما نحو السلام الدائم أو تجدد الصراع، ويعكس حذر الحكومة في التعامل مع ملف حساس ومعقد يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي التركي واستقرار المنطقة برمتها.




