أنور قرقاش يدعو إلى حل سياسي في السودان بعد تطورات الفاشر
في تعليق لافت على تطورات الحرب الأهلية في السودان، دعا أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى ضرورة التحلي بـ"التعقل والواقعية" والتوصل إلى قناعة بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة. جاءت هذه التصريحات في أعقاب ورود أنباء عن تقدم كبير أحرزته قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى خسارة الجيش السوداني لسيطرته على مدينة الفاشر الاستراتيجية، عاصمة ولاية شمال دارفور.

خلفية الصراع وأهمية الفاشر
تكتسب مدينة الفاشر أهمية استثنائية في سياق النزاع السوداني الممتد منذ أبريل 2023. فهي لا تمثل فقط العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، بل كانت أيضاً المعقل الرئيسي الأخير المتبقي تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور الشاسع، الذي يضم خمس ولايات. وخلال الأشهر الماضية، تحولت المدينة إلى ملجأ لمئات الآلاف من النازحين الفارين من العنف في مناطق أخرى من الإقليم، مما جعلها مركزاً إنسانياً حيوياً.
منذ أشهر، تفرض قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على المدينة، وشهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً عسكرياً كبيراً مع شنها هجمات متكررة على الأحياء السكنية والمرافق الحيوية ومواقع الجيش، وسط تحذيرات دولية وأممية من كارثة إنسانية وشيكة في حال سقوط المدينة بالكامل.
التطورات الميدانية الأخيرة
بحسب تقارير إعلامية ومصادر ميدانية، شهدت الأيام القليلة الماضية تحولاً كبيراً في ميزان القوى العسكري داخل الفاشر. حيث تمكنت قوات الدعم السريع من تحقيق اختراقات مهمة، والسيطرة على مواقع حيوية كانت تحت سيطرة الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه. تتحدث الأنباء عن معارك عنيفة دارت رحاها في محيط قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش، والتي تعد مركز الثقل العسكري للقوات المسلحة في المدينة. وتشير بعض المصادر إلى أن سيطرة الجيش على المدينة أصبحت مهددة بشكل جدي، إن لم تكن قد انهارت بالفعل في أجزاء واسعة منها، وهو ما يمثل نقطة تحول فارقة في مسار الحرب بإقليم دارفور.
أبعاد تصريحات قرقاش
يأتي تعليق أنور قرقاش في هذا التوقيت الحرج ليحمل دلالات سياسية متعددة. فمن خلال دعوته إلى "الواقعية" والإقرار بأن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً، يبدو أنه يوجه رسالة إلى أطراف الصراع، وربما بشكل خاص إلى قيادة الجيش السوداني، مفادها أن استمرار القتال لن يغير من الأمر الواقع الذي يميل لصالح قوات الدعم السريع في الإقليم. وقد فُسرت دعوته للحل السياسي على أنها إشارة إلى ضرورة بدء مفاوضات جدية قد تأخذ في الاعتبار موازين القوى الجديدة على الأرض.
تكتسب هذه التصريحات أهمية إضافية بالنظر إلى السياق الإقليمي، حيث تواجه دولة الإمارات اتهامات مستمرة من أطراف سودانية ودولية بتقديم دعم عسكري ولوجستي لقوات الدعم السريع، وهي اتهامات تنفيها أبوظبي بشكل قاطع وتؤكد على موقفها الداعم للحل السلمي وتقديم المساعدات الإنسانية لجميع السودانيين.
التداعيات الاستراتيجية والإنسانية
إن السيطرة المحتملة لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بالكامل ستكون لها تداعيات عميقة على مسارات الصراع المختلفة:
- استراتيجياً: سيؤدي ذلك إلى إحكام قوات الدعم السريع قبضتها على إقليم دارفور بأكمله، مما يمنحها عمقاً جغرافياً وموارداً إضافية، ويعزز موقفها التفاوضي بشكل كبير في أي محادثات سلام مستقبلية.
- إنسانياً: حذرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية مراراً من أن اقتحام المدينة قد يؤدي إلى "فظائع واسعة النطاق" وجرائم حرب، نظراً للكثافة السكانية العالية ووجود أعداد هائلة من النازحين المحاصرين. المصير المجهول لملايين المدنيين هو مصدر القلق الأكبر للمجتمع الدولي.
- سياسياً: قد تدفع هذه الخسارة الكبيرة الجيش السوداني إلى إعادة تقييم استراتيجيته، وقد تزيد من الضغوط الداخلية والخارجية عليه للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط مختلفة، بينما قد تشجع قوات الدعم السريع على التمسك بمطالبها السياسية الطموحة.
في المحصلة، يعكس تعليق قرقاش الديناميكيات المتغيرة للحرب في السودان، حيث باتت الوقائع على الأرض تفرض نفسها بقوة على الخطاب السياسي، وتجعل من الحديث عن حل سياسي أمراً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وإن كان بشروط قد تختلف جذرياً عما كانت عليه في بداية النزاع.




