الأمم المتحدة تكشف استمرار انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر المحاصرة
في تصريحات حديثة أدلى بها منذ أكثر من أسبوع، أكد نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، أن قوات الدعم السريع لا تزال ترتكب انتهاكات جسيمة وأعمال عنف مروعة بحق المدنيين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وتضمنت هذه الانتهاكات المروعة عمليات إعدام بإجراءات موجزة وعنف جنسي، مما يسلط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور في المدينة التي أصبحت تحت سيطرة جزئية من قوات الدعم السريع ولكنها لا تزال محاصرة ومصدر قلق دولي بالغ.

الخلفية التاريخية للصراع في السودان ودارفور
تأتي هذه التطورات في سياق الصراع الدامي الذي اندلع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي ألقى بظلاله الكارثية على البلاد بأسرها، وخاصة إقليم دارفور الذي شهد عقودًا من النزاعات والعنف. تعتبر الفاشر نقطة استراتيجية محورية في دارفور، ليس فقط لكونها عاصمة شمال دارفور، بل أيضًا لكونها مركزًا إنسانيًا حيويًا وملاذًا لمئات الآلاف من النازحين من مناطق أخرى في الإقليم. لقد ظلت المدينة لفترة طويلة معقلًا للقوات المسلحة السودانية ومناطق حلفائها، ما جعلها هدفًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع في سعيها للسيطرة الكاملة على دارفور.
يمثل إقليم دارفور بحد ذاته منطقة تاريخية للصراع على الموارد والهوية، وقد شهد موجات عنف متكررة أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. ومع تجدد الصراع الحالي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، عاد شبح العنف الطائفي والاستهداف المدني ليخيم على المنطقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الإنساني والأمني.
التطورات الأخيرة والسيطرة على الفاشر
شهدت الفاشر تصعيدًا حادًا في القتال خلال الأسابيع الماضية، حيث كثفت قوات الدعم السريع هجماتها للسيطرة على المدينة. وقد أدت هذه الهجمات إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية والممتلكات. وبعد معارك عنيفة، أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع أحكمت سيطرتها على أجزاء واسعة من المدينة، بما في ذلك العديد من المقرات الحكومية والمؤسسات الحيوية، بينما لا تزال مناطق أخرى تشهد اشتباكات متقطعة وحصارًا خانقًا. هذا الوضع يجعل المدنيين عالقين في مرمى النيران ويعرضهم لمخاطر لا حصر لها.
أكد فرحان حق، في بيانه، أن التقارير الواردة إلى الأمم المتحدة تشير بوضوح إلى أن الانتهاكات لم تتوقف بعد السيطرة الجزئية على المدينة. بل على العكس، تفيد المعلومات باستمرار العنف الموجه ضد المدنيين، وهو ما يثير قلقًا عميقًا بشأن مصير السكان الذين لم يتمكنوا من الفرار. وتتضمن هذه الانتهاكات، حسب الأمم المتحدة، أعمالًا وحشية مثل الإعدامات الميدانية والعنف الجنسي، والتي تعد جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
الأثر الإنساني وتداعيات الوضع
إن الوضع في الفاشر كارثي بكل المقاييس. يعيش المدنيون تحت وطأة الخوف والقصف المستمر، مع نقص حاد في الغذاء والماء والرعاية الصحية. لقد أدى القتال إلى تعطيل شامل لعمليات الإغاثة الإنسانية، مما يفاقم من معاناة السكان الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة. وقد نزح مئات الآلاف من منازلهم، وكثير منهم يعيشون في ظروف مزرية دون مأوى أو حماية كافية. تحولت المستشفيات إلى ساحات حرب، مع نقص الإمدادات الطبية والأطقم الطبية، مما يجعل الحصول على العلاج شبه مستحيل للجرحى والمرضى.
يحذر المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية من تزايد مخاطر المجاعة والأمراض في المدينة والمناطق المحيطة بها. إن استمرار الحصار والقيود على حركة المساعدات الإنسانية يهدد بكارثة إنسانية أوسع نطاقًا، حيث أن الفاشر كانت بمثابة نقطة توزيع رئيسية للمساعدات في دارفور. كما أن التقارير عن العنف الجنسي تثير مخاوف جدية بشأن حماية النساء والفتيات في مناطق النزاع.
أهمية الخبر والمطالبات الدولية
تكتسب هذه الأنباء أهمية بالغة لأنها تأتي من مصدر رسمي تابع للأمم المتحدة، مما يضفي عليها مصداقية دولية. إن استمرار توثيق انتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر يضع ضغطًا كبيرًا على المجتمع الدولي للتحرك بشكل فعال لحماية المدنيين وفرض المساءلة على مرتكبي الجرائم. هذه الانتهاكات لا تمثل فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، بل تقوض أيضًا أي آمال في التوصل إلى حل سلمي للصراع في السودان.
تدعو المنظمات الدولية وحكومات العالم إلى وقف فوري للأعمال العدائية وتوفير ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية. كما تتزايد المطالبات بإجراء تحقيق مستقل في هذه الانتهاكات لضمان عدم إفلات المسؤولين عنها من العقاب. يعكس هذا التطور مدى تعقيد الأزمة السودانية وتأثيرها المدمر على حياة ملايين الأبرياء، مما يستدعي استجابة دولية عاجلة ومنسقة لوقف حمام الدم وحماية المدنيين.





