مسودة قرار أمريكي للأمم المتحدة تقترح إدارة واسعة لغزة حتى 2027
في تطور دبلوماسي بارز يعود إلى مطلع عام 2020، أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، على تقديم مشروع قرار إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن مستقبل قطاع غزة. كشفت وثيقة حصل عليها موقع «أكسيوس» الأمريكي حينها عن تفاصيل هذا المقترح الذي تضمن دعوة لإنشاء قوة دولية في القطاع. لم يقتصر المشروع على تحديد فترة أولية لهذه القوة، بل أشار إلى رؤية أوسع لإدارة أمنية وسياسية لغزة قد تمتد ضمن أفق زمني يصل إلى عام 2027، وذلك ضمن إطار خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ "صفقة القرن".

الخلفية والسياق
جاءت مسودة القرار الأمريكي في خضم جهود إدارة ترامب لتقديم خطة سلام شاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي أطلق عليها الرئيس ترامب "صفقة القرن". أُعلن عن الخطوط العريضة لهذه الخطة في أواخر يناير 2020، وقوبلت برفض فلسطيني وعربي واسع. كانت غزة، التي تخضع لسيطرة حركة حماس منذ عام 2007 وتواجه حصاراً إسرائيلياً ومصرياً، جزءاً محورياً من هذه الخطة. سعت الإدارة الأمريكية إلى معالجة التحديات الأمنية والإنسانية في القطاع من خلال مقترحات تهدف إلى تغيير الوضع الراهن وتوفير بيئة أكثر استقراراً، حسب رؤيتها.
تضمنت "صفقة القرن" رؤية أمريكية لحل الصراع، واقترحت إقامة دولة فلسطينية بشروط محددة، مع تأكيد على أمن إسرائيل. في هذا السياق، كانت المسودة التي قدمتها واشنطن لمجلس الأمن بمثابة خطوة تنفيذية لبعض الجوانب الأمنية والإدارية المتعلقة بغزة، والتي رأت فيها الإدارة الأمريكية ضرورة لتحقيق أهداف خطتها الأوسع.
تفاصيل مسودة القرار
وفقاً للوثيقة التي كشف عنها موقع أكسيوس، دعت مسودة القرار الأمريكي إلى:
- إنشاء قوة دولية في قطاع غزة: تهدف هذه القوة إلى الحفاظ على الأمن ومنع الهجمات من القطاع.
 - مدة الولاية الأولية: نصت المسودة على أن لا تقل مدة عمل هذه القوة عن عامين، وهي فترة كانت تُعتبر ضرورية لبدء تطبيق الترتيبات الأمنية الجديدة.
 - ولاية واسعة لإدارة القطاع: بالإضافة إلى المهمة الأمنية للقوة الدولية، أشارت تفاصيل الخطة الأمريكية الأوسع، والتي كانت المسودة جزءاً منها، إلى رؤية لـ "ولاية واسعة" لإدارة الجوانب الأمنية والمدنية في غزة قد تمتد ضمن أفق زمني يصل إلى عام 2027. كانت هذه الولاية تهدف إلى الإشراف على عمليات إعادة الإعمار، وتأمين الحدود، وضمان عملية نزع سلاح المجموعات المسلحة، كجزء من عملية انتقالية أطول تضمن الأمن لإسرائيل وتوفر الاستقرار لغزة.
 - نزع السلاح: أكدت المسودة على أهمية نزع سلاح قطاع غزة لمنع أي تهديدات أمنية لإسرائيل.
 - المساعدات الإنسانية والتنمية: تضمنت الخطة أيضاً جوانب تتعلق بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز التنمية الاقتصادية في القطاع، مع ربط ذلك بالالتزام بالترتيبات الأمنية الجديدة.
 
ردود الفعل الدولية والفلسطينية
قوبلت مسودة القرار الأمريكي، حالها حال "صفقة القرن" بأكملها، برفض قاطع من الجانب الفلسطيني. اعتبرت السلطة الفلسطينية وحركة حماس أن هذه الخطة ومقترحها الخاص بغزة يهدفان إلى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال وتقويض حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. كما رفضت الفصائل الفلسطينية فكرة وجود قوة دولية على أراضيها، معتبرة إياها تدخلاً في شؤونها الداخلية.
على الصعيد الدولي، أثار المشروع تحفظات واسعة داخل مجلس الأمن. عبرت العديد من الدول الأعضاء، وخاصة الأوروبية منها، عن قلقها من أن المقترح الأمريكي ينحرف عن المعايير المتفق عليها دولياً للسلام في الشرق الأوسط، مثل حل الدولتين على أساس حدود عام 1967. كما أعربت دول أخرى عن استيائها من الطابع الأحادي للمبادرة الأمريكية وغياب التشاور مع الأطراف الفلسطينية. لم تحظ المسودة بالدعم الكافي لضمان مرورها عبر مجلس الأمن، مما عكس حجم التحديات الدبلوماسية التي واجهتها الإدارة الأمريكية في تمرير خطتها.
الأهمية والتبعات
تكتسب هذه المسودة أهميتها من كونها محاولة أمريكية جادة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في غزة والمنطقة ككل، بعيداً عن المسارات التفاوضية التقليدية. كان الهدف الأساسي هو فرض رؤية أمريكية للسلام تتناسب مع مصالح إسرائيل الأمنية والاقتصادية، مع طرح حلول مبتكرة (وإن كانت مثيرة للجدل) لمشكلة غزة المستعصية.
من تبعات هذا المقترح، تعميق الشرخ بين الولايات المتحدة والقيادة الفلسطينية، وزيادة عزلة الأخيرة. كما أظهرت ردود الفعل الدولية أن أي خطة سلام لا تأخذ في الاعتبار الحقوق الفلسطينية وتوافق عليها الأطراف المعنية، مصيرها الفشل. ورغم أن المشروع لم يلق القبول اللازم، إلا أنه كشف عن مدى استعداد إدارة ترامب لاتخاذ خطوات جريئة وغير تقليدية في محاولة لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
على الرغم من عدم تمرير مشروع القرار، فإن النقاشات التي أثارها حول مستقبل غزة والترتيبات الأمنية فيها تظل ذات صلة في أي نقاش مستقبلي حول تسوية شاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الفكرة الأساسية لولاية دولية أو إقليمية لإدارة القطاع والضمانات الأمنية لإسرائيل، لا تزال من ضمن المقترحات التي تُطرح في سياقات مختلفة، ما يعكس استمرار التحديات في غزة وحاجتها لحلول مستدامة.





